القضية الكردية بين سياسات النظام وتوجهات المعارضة

علي شمدين*

بعد إندلاع الثورة السورية في الخامس عشر من آذار 2011، برزت القضية الكردية في سوريا بحجمها الطبيعي على طاولة المناقشات الجارية حول الشأن السوري، بإعتبارها قضية شعب يتجاوز الثلاثة ملايين مواطن يشكل ثاني أكبر قومية في البلاد، ويلعب دوراً مفصلياً بين أطراف المعارضة الوطنية، وله حضوره المؤثر في الإحتجاجات الجارية من أجل إسقاط النظام وبناء نظام علماني تعددي ديمقراطي يضمن كامل حقوقه القومية .

لقد واجه الشعب الكردي خلال ما يزيد عن النصف قرن نظام البعث الذي لم يوفر وسيلة من أجل تذويبه وتعريبه وصهره، ومارس بحقه السياسات الشوفينية والمشاريع العنصرية، ودفع بمناضليه السياسيين إلى السجون والمعتقلات فضلاً عن تعريضه لمختلف أساليب القهر والتجويع،
 إلاّ أن كل تلك السياسات والمشاريع لم تزد الشعب الكردي وحركته السياسية إلاّ المزيد من التصميم والإصرار على النضال الديمقراطي السلمي من أجل بناء نظام ديمقراطي يضمن الحقوق القومية الكاملة للشعب الكردي، لكن النظام ظل متنكراً لوجوده ولهويته القومية ومصراً على صهره وتذويبه عبر مشاريع عنصرية وسياسات شوفينية مشينة ما زال الكرد يكتوون بنارها.

وإزاء سياسة النظام هذه الرامية إلى تأليب الرأي العام العربي على الشعب الكردي وتصويره بعبعاً وجسماً غريباً لابد من صهره أو إستئصاله، سارعت الحركة الكردية منذ إنطلاقتها في (14/6/1958) إلى االإنفتاح على الوسط العربي بمختلف شرائحه والتواصل مع قواه السياسية والثقافية بهدف كسر جدار العزلة المفروضة عليها من قبل النظام، وكذلك من أجل التعريف بالقضية الكردية كقضية وطنية بإمتياز، وحاولت إستقطاب تلك القوى إلى جانب عدالتها، وفي هذا الإتجاه نجحت الحركة الكردية إلى حد ما في بناء قنوات لايستهان بها مع الكثير من الرموز والقوى الوطنية العربية، تطورت تلك العلاقات شيئا فشيئا إلى حد بناء أطر سياسية جمعت تحت مظلتها مختلف القوى الوطنية الكردية والعربية والآشورية، تتوجت بتأسيس إعلان دمشق في 1/شباط/2004 ، الذي كانت للحركة الكردية دوراً بارزاً ورئيسياً في إنجازه كخطوة تاريخية هامة، سواء على صعيد كونها المحاولة الأولى التي تجمع هذه التلاوين القومية تحت مظلة وطنية واحدة، أو على صعيد كونها المرة الأولى التي تقر فيه بعض القوى العربية بوطنية القضية الكردية وبضرورة حلها حلا ديمقراطياً سلمياً، هذا فضلاً عن تسلم القيادات الكردية لمواقع هامة في هيئاته ومؤسساته بما يتناسب مع حجم وأهمية القضية الكردية في البلاد، ولعل الإجماع في مجلسه الوطني بتاريخ 30/11/2007 على إختيار الأستاذ عبدالحميد درويش نائباً لرئيس إعلان دمشق، يعكس بشكل مباشر أهمية هذه الشخصية ودورها المحوري في بناء قنوات التواصل والحوار الوطني الديمقراطي وتجميع القوى الوطنية من دون إقصاء أحد تحت مظلة واحدة بما فيها جماعة الأخوان المسلمين التي كان التعامل معها حينذاك من المحظورات السياسية في البلاد، مثلما عكس الدور الوطني للشعب الكردي وأهمية قضيته القومية، وسجلت هذه الخطوة كنقلة نوعية بإتجاه تجاوز الحواجز العنصرية التي بناها النظام أمام التفاعل مع الوسط  العربي.
وبعد إندلاع الثورة السورية في الخامس من آذار 20011 شارك الشعب الكردي فيها بفعالية، ولم يتردد في حسم خياره مع الثورة لأنه بطبيعته موجود في خندق المعارضة للنظام منذ إستلامه للحكم عام 1963، وأسس مجلسه الوطني الكردي الذي سارع إلى تشكيل وفد للحوار مع المعارضة الوطنية برئاسة الأستاذ عبدالحميد درويش الذي إتصل كممثل للكتلة الكردية المستقلة، مع المجلس الوطني السوري بزعامة الدكتور برهان غليون، وهيئة التنسيق الوطني للتغيير بزعامة المحامي حسن عبدالعظيم، كأهم كتلتين رئيسيتين على ساحة المعارضة السورية، بهدف التوصل معهم إلى قواسم مشتركة حول مستقبل سوريا الجديدة وموقع الكرد فيها، وقد كانت اللقاءات الأولية مبشرة بإمكانية العمل المشترك معاً من اجل توحيد صفوف المعارضة عبر عقد مؤتمر وطني شامل تحت رعاية الجامعة العربية.
ولكن تطور الأحداث فيما بعد، دفع بالمجلس الوطني السوري ، إلى واجهة المشهد السياسي للمعارضة السورية، فتوسعت الشقة بين المجلس الوطني السوري وبين الأطراف الأخرى للمعارضة، وخاصة مع هيئة التنسيق الوطني، ورغم تعميق التناقضات بين هذين الإطارين على العديد من القضايا، إلاّ أن الملفت في الأمر هو إنهما متفقان معاً على إقصاء المكون الكردي وتهميشه، وتقزيم مطالبه وحقوقه القومية في إطار حقوق المواطنة ضمن إطار نظام الإدارة المحلية، وكان الإتفاق الذي تم توقيعه بين الإطارين في القاهرة (30/12/2011 ) بمعزل عن المجلس الوطني الكردي يدل بوضوح على هذه العقلية الشوفينية الإقصائية التي لم تتجاوز بعد كثيراً السقف الذي حدده النظام في تعامله مع القضية الكردية في سوريا مع الأسف الشديد.
كما إن الإتصالات والحوارات التي تمت بين المجلسين (السوري، والكردي)، خلال الفترة المنصرمة، والتي لم تسفر عن أية نتيجة إيجابية وخاصة فيما يتعلق بالحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، والتي تم حصرها في إطار اللامركزية الإدارية، كانت مخيبة للآمال، وكشفت عن العقلية الشوفينية التي ورثوها من ثقافة البعث المسكونة في لاشعورهم، ولايعتبرون منح الحقوق إلا هبة ومنة يتصدقون بها إلى أصحابها.
وإزاء هذا الواقع الذي يعيشه الشعب الكردي في سوريا بين سياسات النظام وتوجهات المعارضة ، لا سبيل إلى نيل الشعب الكردي لحقوقه كاملة دون نقصان، هو صيانة وحدة الموقف الكردي وصفه المتمثل اليوم في المجلس الوطني الكردي، وتفعيل آدائه ككتلة مستقلة تمثل شرعياً القطاع الأوسع من الجماهير الكردية وفعالياته السياسية والثقافية والإجتماعية.
السليمانية 17/3/2012
——-

* عضو لجنة الإقليم للمجلس الوطني الكردي في سوريا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…

بوتان زيباري في قلب النقاشات، كانت الأصوات تتعالى لتؤكد أن هذه الأرض، التي يسميها البعض “كوردستان سوريا” أو “غرب كردستان”، ليست ملكًا حصريًا لقومية واحدة، وإن كان للكورد فيها حق الدم والعرق والتاريخ. بل يجب أن يُبنى الإقليم المرتجى بروحٍ تعترف بجميع مكوناته من عرب وآشوريين وسريان وغيرهم، كي لا يقع البناء الجديد فريسة لمرض القوميات الذي مزق سوريا…