حقيقة القيادات الكردية في سوريا

د.

كسرى حرسان


تعد ثورة الملا مصطفى البارزاني منذ أواخر القرن الماضي صانعة تاريخ الكرد وكردستان الحديث وباعثة الروح في الكيان الكردي، من خلال نضالها المستميت والطويل.
وقد لاقت هذه الثورة إعجاباً منقطع النظير من قبل أوساط الشعب الكردي في مناطقه كافة، لفرادتها ونظراً لكون المرحلة التي نهضت فيها عصيبة للغاية بالنسبة لشعب لا يملك من أدوات القتال إلا إرادة التحرر وتقرير المصير وسْطَ أعداء مدججين بالسلاح والعتاد والطغيان.
لذلك كثرَ أنصار هذه الثورة ومؤيدوها كما تكاثر المتسكعون على المدد المعنوي الذي أحدثته، وأعني بهم المستغلين المستثمرين لهذا الإرث الثوري المستعلين بأي صورة على أكتاف المناضلين أصحاب الثورة الحقيقيين للوصول إلى مآربهم الذاتية.

وعندما أذكر الوضع الكردي السوري يتمثل في مخيِّلتي حالاً أرشيف القيادات الكردية الواهي الأجوف في سوريا منذ البداية، فهؤلاء القادة لمّا ينجزوا عملاً ذا اعتبار يتسم بروح النضال الحقيقي المستقل بشخصيته ويُخرج القومية الكردية في سوريا من قمقمها كأقلية مهمشة.


ولهذا السبب كان منبرهم ولم يزل منبر الأقوال عديمة الجدوى بالنسبة لإطلاع الرأي العام العالمي على الواقع الكردي السوري الذي ما فتئ يعاني النسيان والمجهولية بسبب انحسار دورهم ضمن بقعتهم الجغرافية التي تصمُّ أصواتهم عن الانطلاق إلى الآفاق البعيدة، ولهذا ظلت نداءاتهم لا تلقى آذاناً صاغية، وبقيت دعواتهم على بساطة طموحاتها بغير استجابة، وكيف، وما من مجيب.
غير أن الانتهازيين بينهم أدّوا دوراً لا يليق بهم كقيادات، بابتعادهم عن جدية العمل السياسي وتجاوزهم المهام المنوطة بهم والإساءة إلى عملهم التنظيمي بحيث أخرجتهم هذه الخروقات والإخلالات من حلبة النضال إلى الغوغائية واللامبالاة والعبث بالمصير الكردي.


إن أيسر ما يمكن قوله هو أن هذه القيادات بقيت بغير لعب دور التوجيه لمسار التغيير، فقامت عوضاً عن ذلك بموقف سلبي عشوائي من وحدة الشارع الكردي في هذا التحول الصعب الحساس والحرج كما نرى ونشهد، وأتمنى أن أكون مخطئاً.
وإذا كانت الحال هذه فيجب ألا يدخل في روع الشعب الكردي أن له قادة، كما ينبغي أن يعلم أن دور هؤلاء الساسة ليس خيراً من عدمه.
وكأن زمن الأبطال قد ولى، والأحرار قد أفلتوا زمام الأمور، ولم يعد بطلاً يضحي بنفسه إلا هذا الشعب المكافح، فإذا نزلاء الساحة السياسية كشخوص مسرحية إذا شاءوا فلاسفة مِنطيقيُّون، ومتى ما أرادت نفوسهم فإنهم هَمَلٌ سَوامٌ راتعون بما تشتهي أهواؤهم المنحطة، تاركين وازع الضمير الإنساني الحي – إن وُجِد – ناحيةً.

إن مصيبة كل قوم من جُهّالهم ولا أعني بالجهل هنا جهل العلم، وإنما أقصدُ من يرعون مصالحهم الأنانية التفِلة مستهترين بآمال الشعب وطموحاته.
إن الإنسانية بإطارها العام تفتقد الشجاعة، لا شجاعة القلوب، وإنما شجاعة العقول.

وإن وضع هذه البشرية ليدعو إلى الرثاء مع أن حضارة اليوم تكاد ذراها تناطح أعنان السماء بشموخها وقوتها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف بعد أن قرأت خبر الدعوة إلى حفل توقيع الكتاب الثاني للباحث محمد جزاع، فرحت كثيراً، لأن أبا بوشكين يواصل العمل في مشروعه الذي أعرفه، وهو في مجال التوثيق للحركة السياسية الكردية في سوريا. بعد ساعات من نشر الخبر، وردتني رسالة من نجله بوشكين قال لي فيها: “نسختك من الكتاب في الطريق إليك”. لا أخفي أني سررت…

مع الإعلان عن موعد انعقاد مؤتمر وطني كردي في الثامن عشر من نيسان/أبريل 2025، في أعقاب التفاهمات الجارية بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وأحزابه المتحالفة ضمن إطار منظومة “أحزاب الاتحاد الوطني الكردي”، والمجلس الوطني الكردي (ENKS)، فإننا في فعاليات المجتمع المدني والحركات القومية الكردية – من منظمات وشخصيات مستقلة – نتابع هذه التطورات باهتمام بالغ، لما لهذا الحدث من أثر…

فرحان كلش   قد تبدو احتمالية إعادة الحياة إلى هذا الممر السياسي – العسكري ضرباً من الخيال، ولكن ماذا نقول عن الابقاء على النبض في هذا الممر من خلال ترك العُقَد حية فيه، كجزء من فلسفة التدمير الجزئي الذي تتبعه اسرائيل وكذلك أميركا في مجمل صراعاتهما، فهي تُسقط أنظمة مثلاً وتُبقى على فكرة اللاحل منتعشة، لتأمين عناصر النهب والتأسيس لعوامل…

شفيق جانكير في زمن تتزاحم فيه الأصوات وتتلاشى المعايير، يبقى صوت الأستاذ إبراهيم اليوسف علامة فارقة في المشهد الثقافي والإعلامي الكردي، لا لبلاغة لغته فحسب، بل لما تحمله كلماته من وفاء نادر وموقف مبدئي لا يهادن. في يوم الصحافة الكردية، حين تمضي الكلمات عادة إلى الاحتفاء العابر، وقفت، عزيزي الاستاذ إبراهيم اليوسف، عند موقع متواضع في شكله، كبير بما يحمله…