علي شمدين*
كانت الجامعة العربية قد دعت في 16/ 11/2011، الى عقد مؤتمر شامل للمعارضة الوطنية السورية تحت رعايتها، بهدف توحيد صفوفها والتحضير للمرحلة الانتقالية، وذلك بعد ان فشلت مساعيها في إقناع النظام السوري للمثول إلى الرأي العام الدولي والعربي الداعي إلى إيقاف آلة القتل والقمع الوحشية ضد المتظاهرين العزل، والتجاوب بدلاً من ذلك مع مطالب ثورة الحرية والكرامة التي بدأت شرارتها الأولى في الخامس عشر من آذار2011، وامتدت لهيبها على طول البلاد وعرضها.
واستجابة مع هذه الدعوة العاجلة، سارع المجلس الوطني الكردي إلى تشكيل وفد يمثله برئاسة الأستاذ عبدالحميد درويش للتوجه إلى القاهرة لإجراء الاتصالات اللازمة مع الجامعة العربية ومع الأطراف الرئيسية للمعارضة السورية، وقد وصل الوفد الكردي في الوقت المناسب إلى القاهرة أواسط تشرين الثاني 2011، ونجح في عقد لقاء ثنائي في 22/11/2011 مع الأمين العام للجامعة العربية السيد نبيل العربي، الذي استقبل من جهته الوفد الكردي بحفاوة، مبدياً تضامنه الصريح مع المذكرة التي قدمها الوفد إليه والتي تضمنت مقررات المؤتمر الوطني الكردي الذي انعقد في القامشلي في 26/10/2011 ، مؤكداً على أنه سوف لن يعقد أيّ مؤتمر بين أطراف المعارضة السورية دون مشاركة المجلس الوطني الكردي، وبالفعل فقد تمكن الوفد من التواصل مع (المجلس الوطني السوري، وهيئة التنسيق الوطني)، وعقد معهما أكثر من لقاء مشترك، تمخضت تلك اللقاءات عن قبول هاتين الكتلتين للمجلس الوطني الكردي ككتلة مستقلة وكشريك في اللجنة التحضيرية للمؤتمر المزمع عقده تحت رعاية الجامعة العربية، وكان ذلك بمثابة خطوة هامة على طريق الإعتراف بخصوصية المكون الكردي ضمن إطار المعارضة الوطنية السورية.
ولكن مع الأسف الشديد لم تستمر العلاقات بين هذه المكونات الثلاثة بتلك الوتيرة الإيجابية، وإنما إصطدمت ببعض التوجهات الشوفينية السائدة بين صفوف المعارضة العربية، وخاصة من جانب (المجلس الوطني السوري) الذي بدأ يتصرف بشيء من الغرور والاستعلاء بعد أن لمس إنفتاحا دوليا تجاهه، الأمر الذي كشف عن وجود توجه صريح من جانب هاتين الكتلتين، وإن بشكل متفاوت، نحو عزل الكتلة الكردية بذريعة عدم استعدادهما للتجاوب مع قرار المؤتمر الوطني الكردي فيما يتعلق بالحقوق القومية الكردية، المتمثل في ضرورة الإعتراف الدستوري بالشعب الكردي كثاني قومية رئيسية في البلاد، والإقرار بحقه في تقرير مصيره بنفسه، ولاشك بأن الشخصيات والجماعات الكردية الأخرى التي ظلت لهذا السبب أو ذاك خارج المجلس الوطني الكردي هي الأخرى لعبت دوراً سلبياً في التشويش على توجهات المجلس الكردي بين صفوف المعارضة السورية، كما إنه من المفيد قوله بأن مماطلة الأحزاب الكردية المنضوية تحت مظلة المجلس الوطني الكردي في تنفيذ قرار مؤتمرها القاضي بضرورة تجميد عضويتها في الأطر الأخرى ساهم إلى حد لايستهان به في إضعاف موقف المجلس الوطني الكردي تجاه الكتل الأخرى بكل تأكيد.
لاشك إن مثل هذا التوجه الشوفيني من جانب الكتل الرئيسية في المعارضة السورية، إنما يفقدها مصداقيتها لدى المكون الكردي الذي قرر ومنذ اليوم الأول الإنخراط كطرف رئيسي في الثورة السورية، والنضال إلى جانب المكونات الأخرى من أجل تغيير النظام وتفكيك كافة مؤسساته الأمنية والسياسية والفكرية، والمشاركة الفعلية معها في التأسيس لنظام ديمقراطي علماني تعددي لامركزي، والتخلص إلى الأبد من العقلية الشوفينية الإستبدادية التي زرعها حزب البعث خلال ما يقارب النصف قرن من تفرده دستوريا بقيادة الدولة والمجتمع، هذه العقلية التي أفرزت سياسات ومشاريع عنصرية بغيضة أكتوى بها الشعب الكردي ولايزال، كالحزام العربي والإحصاء الإستثنائي وغيرها من مشاريع التعريب والتمييز القومي، التي كانت تهدف إلى صهر الشعب الكردي في البوتقة العربية.
ولايخفى على أيّ متابع لشأن المعارضة السورية بروز مثل هذه التوجهات الشوفينية العقيمة إلى السطح منذ الأيام الأولى من إندلاع الثورة السورية، وخاصة خلال إنعقاد مؤتمرات المعارضة العديدة في تركيا وبرعايتها، حيث تم تجاهل أطراف الحركة الكردية في سوريا بشكل متعمد، وتم بدل من ذلك دعوة شخصيات مستقلة لاتمثل إلاّ نفسها كبديل لها، والإصرار على تقزيم حقوق الشعب الكردي وتجاهلها في وثائق تلك المؤتمرات، وفي نفس الإتجاه جاءت تصريحات رئيس المجلس الوطني السوري السيد برهان غليون، الذي شبه الكرد في سوريا بالمهاجرين الآسيويين في أوروبا، وكذلك تصريحات المرشد العام السابق للإخوان المسلمين علي صدرالدين البيانوني الذي اختصر الحقوق الكردية في حق المواطنة فقط ، فقد كشفت هذه المواقف الشوفينية القناع عن وجه العديد من رموز المعارضة العربية التي تشربت بالثقافة العنصرية البعثية، التي تقول بأن كل من تكلم العربية فهو عربي.
وعلى ضوء هذا التوجه الإقصائي الذي طغى على نشاطات المعارضة (الإسلامية والعروبية) تجاه المكون الكردي، يمكن قراءة الميثاق الذي صدر في القاهرة بتاريخ 30/12/2011، والموقع من جانب برهان غليون (رئيس المجلس الوطني السوري)، وهيثم مناع (رئيس هيئة التنسيق الوطنية في المهجر)، وبحضور: (وليد البني، هيثم المالح، كاترين التلي، محمد حجازي ، صالح مسلم محمد)، حيث يلاحظ بوضوح تكرار التوجه الإقصائي نفسه في الميثاق المذكور، سواء من جهة تجرؤ الموقعين عليه الإقدام على هكذا أمر مصيري خطير يتعلق براهن البلاد ومستقبلها بغياب الكتلة الكردية الرئيسية، أو من جهة ما جاء في مضمون الوثيقة المذكورة فيما يتعلق بالقضية الكردية في سوريا، والذي جاء فيه: (التأكيد على أن الوجود القومي الكردي جزء أساسي وتاريخي من النسيج الوطني السوري، وهو ما يقتضي إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد أرضا وشعبا، الأمر الذي لا يتناقض البتة مع كون سورية جزءا لايتجزأ من الوطن العربي)، حيث يلاحظ تعمداً واضحا في عدم ذكر كلمة (الشعب الكردي) والإكتفاء بذكر (الوجود الكردي)، كما إنه لم يتم الإشارة إلى الإعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي، هذا ناهيك عن نسف الوثيقة لكل ما ذكر في هذه النقطة بتأكيدها على كون سوريا جزءا لايتجزأ من الوطن العربي، وبذلك فإن الوثيقة في هذا المجال لم تتجاوز مع الأسف الشديد السقف الذي بلغه بشار الأسد، عندما قال في أعقاب أحداث القامشلي 2004 ، بأن: (القومية الكردية جزء أساسي من النسيج التاريخي السوري..).
ومن هنا، فإن أي تجاهل للكتلة الكردية كمكون مستقل وتغييبها عن الحوارات والتفاهمات الجارية من أجل التحضير للمؤتمر الذي دعت إليه الجامعة العربية، إنما يعد خطأ كبيراً لايمكن قبوله، إذ لايمكن لمؤتمر سوري أن يكون وطنياً شاملا بغياب الكتلة الكردية المستقلة والمتمثلة اليوم في المجلس الوطني الكردي السوري الذي يمثل غالبية الشعب الكردي في سوريا ويعبر عن طموحاته بصدق وأمانة، ولاشك بأن إحترام المعارضة العربية للكتلة الكردية وقبولها كشريك أساسي في أي حوار أو مؤتمر وطني، والإعتراف الدستوري بالحقوق القومية للشعب الكردي إنما يعد المعيار الحقيقي لنجاح هذه الثورة في تحقيق أهدافها، وإلا فأن سياسة التجاهل والإقصاء هذه، التي ظل نظام البعث ينتهجها طيلة سنوات حكمه، سوف لن تنتج إلا نظاما استبداديا ليس إلاّ.
————————————————————–
* – عضو لجنة إقليم كردستان للمجلس الوطني الكردي في سوريا
المقال مترجم عن جريدة (كردستاني نۆي) اليومية / العدد (5669) /الثلاثاء (5/1/2012)
ولكن مع الأسف الشديد لم تستمر العلاقات بين هذه المكونات الثلاثة بتلك الوتيرة الإيجابية، وإنما إصطدمت ببعض التوجهات الشوفينية السائدة بين صفوف المعارضة العربية، وخاصة من جانب (المجلس الوطني السوري) الذي بدأ يتصرف بشيء من الغرور والاستعلاء بعد أن لمس إنفتاحا دوليا تجاهه، الأمر الذي كشف عن وجود توجه صريح من جانب هاتين الكتلتين، وإن بشكل متفاوت، نحو عزل الكتلة الكردية بذريعة عدم استعدادهما للتجاوب مع قرار المؤتمر الوطني الكردي فيما يتعلق بالحقوق القومية الكردية، المتمثل في ضرورة الإعتراف الدستوري بالشعب الكردي كثاني قومية رئيسية في البلاد، والإقرار بحقه في تقرير مصيره بنفسه، ولاشك بأن الشخصيات والجماعات الكردية الأخرى التي ظلت لهذا السبب أو ذاك خارج المجلس الوطني الكردي هي الأخرى لعبت دوراً سلبياً في التشويش على توجهات المجلس الكردي بين صفوف المعارضة السورية، كما إنه من المفيد قوله بأن مماطلة الأحزاب الكردية المنضوية تحت مظلة المجلس الوطني الكردي في تنفيذ قرار مؤتمرها القاضي بضرورة تجميد عضويتها في الأطر الأخرى ساهم إلى حد لايستهان به في إضعاف موقف المجلس الوطني الكردي تجاه الكتل الأخرى بكل تأكيد.
لاشك إن مثل هذا التوجه الشوفيني من جانب الكتل الرئيسية في المعارضة السورية، إنما يفقدها مصداقيتها لدى المكون الكردي الذي قرر ومنذ اليوم الأول الإنخراط كطرف رئيسي في الثورة السورية، والنضال إلى جانب المكونات الأخرى من أجل تغيير النظام وتفكيك كافة مؤسساته الأمنية والسياسية والفكرية، والمشاركة الفعلية معها في التأسيس لنظام ديمقراطي علماني تعددي لامركزي، والتخلص إلى الأبد من العقلية الشوفينية الإستبدادية التي زرعها حزب البعث خلال ما يقارب النصف قرن من تفرده دستوريا بقيادة الدولة والمجتمع، هذه العقلية التي أفرزت سياسات ومشاريع عنصرية بغيضة أكتوى بها الشعب الكردي ولايزال، كالحزام العربي والإحصاء الإستثنائي وغيرها من مشاريع التعريب والتمييز القومي، التي كانت تهدف إلى صهر الشعب الكردي في البوتقة العربية.
ولايخفى على أيّ متابع لشأن المعارضة السورية بروز مثل هذه التوجهات الشوفينية العقيمة إلى السطح منذ الأيام الأولى من إندلاع الثورة السورية، وخاصة خلال إنعقاد مؤتمرات المعارضة العديدة في تركيا وبرعايتها، حيث تم تجاهل أطراف الحركة الكردية في سوريا بشكل متعمد، وتم بدل من ذلك دعوة شخصيات مستقلة لاتمثل إلاّ نفسها كبديل لها، والإصرار على تقزيم حقوق الشعب الكردي وتجاهلها في وثائق تلك المؤتمرات، وفي نفس الإتجاه جاءت تصريحات رئيس المجلس الوطني السوري السيد برهان غليون، الذي شبه الكرد في سوريا بالمهاجرين الآسيويين في أوروبا، وكذلك تصريحات المرشد العام السابق للإخوان المسلمين علي صدرالدين البيانوني الذي اختصر الحقوق الكردية في حق المواطنة فقط ، فقد كشفت هذه المواقف الشوفينية القناع عن وجه العديد من رموز المعارضة العربية التي تشربت بالثقافة العنصرية البعثية، التي تقول بأن كل من تكلم العربية فهو عربي.
وعلى ضوء هذا التوجه الإقصائي الذي طغى على نشاطات المعارضة (الإسلامية والعروبية) تجاه المكون الكردي، يمكن قراءة الميثاق الذي صدر في القاهرة بتاريخ 30/12/2011، والموقع من جانب برهان غليون (رئيس المجلس الوطني السوري)، وهيثم مناع (رئيس هيئة التنسيق الوطنية في المهجر)، وبحضور: (وليد البني، هيثم المالح، كاترين التلي، محمد حجازي ، صالح مسلم محمد)، حيث يلاحظ بوضوح تكرار التوجه الإقصائي نفسه في الميثاق المذكور، سواء من جهة تجرؤ الموقعين عليه الإقدام على هكذا أمر مصيري خطير يتعلق براهن البلاد ومستقبلها بغياب الكتلة الكردية الرئيسية، أو من جهة ما جاء في مضمون الوثيقة المذكورة فيما يتعلق بالقضية الكردية في سوريا، والذي جاء فيه: (التأكيد على أن الوجود القومي الكردي جزء أساسي وتاريخي من النسيج الوطني السوري، وهو ما يقتضي إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد أرضا وشعبا، الأمر الذي لا يتناقض البتة مع كون سورية جزءا لايتجزأ من الوطن العربي)، حيث يلاحظ تعمداً واضحا في عدم ذكر كلمة (الشعب الكردي) والإكتفاء بذكر (الوجود الكردي)، كما إنه لم يتم الإشارة إلى الإعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي، هذا ناهيك عن نسف الوثيقة لكل ما ذكر في هذه النقطة بتأكيدها على كون سوريا جزءا لايتجزأ من الوطن العربي، وبذلك فإن الوثيقة في هذا المجال لم تتجاوز مع الأسف الشديد السقف الذي بلغه بشار الأسد، عندما قال في أعقاب أحداث القامشلي 2004 ، بأن: (القومية الكردية جزء أساسي من النسيج التاريخي السوري..).
ومن هنا، فإن أي تجاهل للكتلة الكردية كمكون مستقل وتغييبها عن الحوارات والتفاهمات الجارية من أجل التحضير للمؤتمر الذي دعت إليه الجامعة العربية، إنما يعد خطأ كبيراً لايمكن قبوله، إذ لايمكن لمؤتمر سوري أن يكون وطنياً شاملا بغياب الكتلة الكردية المستقلة والمتمثلة اليوم في المجلس الوطني الكردي السوري الذي يمثل غالبية الشعب الكردي في سوريا ويعبر عن طموحاته بصدق وأمانة، ولاشك بأن إحترام المعارضة العربية للكتلة الكردية وقبولها كشريك أساسي في أي حوار أو مؤتمر وطني، والإعتراف الدستوري بالحقوق القومية للشعب الكردي إنما يعد المعيار الحقيقي لنجاح هذه الثورة في تحقيق أهدافها، وإلا فأن سياسة التجاهل والإقصاء هذه، التي ظل نظام البعث ينتهجها طيلة سنوات حكمه، سوف لن تنتج إلا نظاما استبداديا ليس إلاّ.
————————————————————–
* – عضو لجنة إقليم كردستان للمجلس الوطني الكردي في سوريا
المقال مترجم عن جريدة (كردستاني نۆي) اليومية / العدد (5669) /الثلاثاء (5/1/2012)
http://knwe.org/Direje.aspx?Jimare=11691&Cor=2&Besh=Witar