أمن الحراك الثوري المعارض
قلد حزب البعث بعد استيلائه على السلطة أسوأ مافي تجربة الأحزاب الشمولية في أوروبا الشرقية والفاشية في العالم الغربي بانشاء أجهزة أمنية – عسكرية خاصة بأمن الحزب والنظام ومتخصصة بقمع الحركات المعارضة في الداخل الا أن وصل أعدادها الى اثني عشر جهاز أمني يفوق عدد منتسبيها ومخبريها نصف مليون من النساء والرجال لكل منها ميزانيته وتشكيلاته وادارته تلتقي في أعلى سلم الهرم لدى مكاتب القصر الرئاسي اضافة الى مئات آلاف البعثيين الذين يقومون بحسب لوائحهم الداخلية بدور أمني مباشر في المراقبة ونقل المعلومات والانخراط في المنظمات شبه العسكرية والميليشياوية اذا دعت الحاجة كل ذلك بالتوازي مع اعداد فرق وفيالق عسكرية بالعاصمة وقربها (وليس على حدود الجولان المحتل) خاصة بالسهر على سلامة النظام والتصدي لأي طارىء يستهدف السلطة الحاكمة ومن الملاحظ وأمام المبالغة والتشدد في ضبط الأمن الداخلي للنظام ارتخاء حاجز الأمن الخارجي للسيادة الوطنية والاستقلال وحصول اختراقات عميقة وواسعة ومتكررة من جانب أعداء وخصوم سوريا من اسرائيل وغيرها استسهلت أمن الوطن والشعب وكان النظام وخلال أربعة عقود يخرج منها شاكيا ذليلا فاقد الارادة أو واعدا السوريين بالانتظار لحين تحقيق التوازن الاستراتيجي الذي لن يحصل أبدا.
ولذلك فان كل مناضل وطني سوري واجه الاستبداد وخبر أساليب الأجهزة الأمنية واعتقل ولوحق وعذب لعقود وسنوات يعلم جيدا ماذا تعني عملية الصراع مع المنظومة الأمنية الحاكمة ومدى خطورة هذا الجيش من المخبرين وأدوات القمع وخبراء التعذيب والتحقيق ومتخصصي زرع العملاء في الأحزاب والحركات والجماعات عبر وسائل الاكراه والاغراء فقط أولئك الغر الحديثي العهد بالنضال والمواجهة من المتسلقين الذين لالون ولاطعم لمعارضتهم لايملكون أي حس للتميز بين المناضل الشريف والخائن بين النزيه والمخبر.
ان التحديات الأمنية في وجه الحراك الثوري بالداخل والخارج والتي تتطلب أقصى درجات الحذر تتوزع على عدة مستويات في الأول كما ذكرنا يتهدد الثوار في التظاهرات والاحتجاجات السلمية وكذلك عناصر الجيش السوري الحر المنتفضة على النظام في مختلف المناطق وفي هذا المستوى فان الجميع معرضون اما للتصفية الجسدية أو للاعتقال والاختطاف أو للتهجير والملاحقة وفي الثاني يتركز على قيادات التنظيمات السياسية التقليدية التي تقف اما مع مشروع النظام منذ عقود أو بين بين وهي الأكثر قابلية للتجاوب مع المهام الأمنية وتنفيذها اما بدافع الموقف السياسي اللفظي الممانع أوبحكم عاملي (العصا والجزرة) وسهولة التنفيذ بسبب التداخل والتعارف مع المحيط والامتدادات العائلية والعشائرية والمناطقية وتنطبق الحالة الموصوفة هذه على غالبية أحزاب ” الجبهة الوطنية التقدمية ” وجماعات ” هيئة التنسيق الوطني ” و ” أحزاب المجلس الوطني الكردي ” وهناك دلائل ووثائق تؤكد ما نذهب اليه في مختلف هذه الحالات .
في الآونة الأخيرة نجح بعض ناشطي المعارضة الوطنية في اماطة اللثام عن حالات عدة في الاختراقات الأمنية لهيئات ” المجلس الوطني السوري ” وعلى الأغلب حدث ذلك بمحض الصدفة وليس عبر جهود احترافية أو الحصول على معلومات موثقة ولكنها أكدت على أن المجلس مخترق من جانب الأمن السوري عموديا وأفقيا ولم نتفاجأ نحن الذين كنا على اطلاع كامل على بنية هذا الطرف المعارض وكيفية نشأته كمحصلة ترضية ومجاملات لارادات جهات اقليمية ودولية من دون المرور بالعملية الديموقراطية الحرة والتشاور بين سائر أطياف المعارضة بالداخل والخارج ومن دون التمحيص في تاريخ ومنشأ وسلوكيات أعضاء هيئاته المسؤولة ورموزه المفتقرين أساسا وبغالبيتهم الى الصلابة المبدئية والتحصن أمام الاختراقات الأمنية والاغراءات المالية وغيرها التي ظهرت نتائجها الوخيمة مؤخرا بالقاهرة في أول امتحان حين التوقيع على البروتوكول – الخديعة بين المجلس والهيئة .