لم يعد «خطاب» الخداع ينطلي على أحد تعقيب على ما قاله اليوم «قذافي دمشق»

جان كورد

هذا العنوان الطويل بعضٌ مما قاله الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنني وضعت فيه كلمة “الخطاب” ليبدو أشد وضوحاً في رأيي وحسب قناعتي.

وأقول “الرئيس السوري” لأ نه لايزال مصراً على كونه “منتخب حسب رغبة الشعب السوري!”، والشعب يهتف تحت قصره العتيد كل يوم “الشعب يريد إعدام الرئيس” أو باللهجة الشعبية السورية الصارخة “إنقلع!”…

هذا الخطاب لم يكن للشعب، الذي انطلق مباشرةً ليهتف في الشوارع بسقوطه وليعلن عدم اقتناعه بهذا الكلام المعسول وليؤكد على أنه زاحفٌ لاخراجه اليوم أو غداً من قلعته الحصينة التي تشبه قلاع الملوك المكروهين في التاريخ، ولكن كان الخطاب للبطانة المجرمة والأتباع المذعورين والإعلاميين المرتزقة…
بمعنى أنه كان خطاباً لرئيس نظام مترنح لمن حوله من الذين لايزالون يخافون التخلي عنه، إما لكثرة ما أراقوه من الدماء البريئة وما نهبوه من أموال الشعب، وإما خوفاً من العقاب الصارم الذي قد يتعرضون له فيما إذا لاذوا بالفرار وتم إلقاء القبض عليهم أو فيما إذا وقعت عوائلهم في أيدي زبانية الرئيس التي لاتتوانى عن تعذيب وتقتيل الأطفال والناس واغتصابهم.
لقد أثبت الرئيس السوري بخطابه هذا عدم قدرته على انهاء محنته الخانقة، فراح يعد ويتوعد بانهائها مستقبلاً، عن طريق سفك مزيدٍ من الدماء.

لقد بدا وكأنه لايريد أن يرى أو يسمع ما يجري في سوريا منذ ما يقارب العام أو دونه، ولكنه يؤكد على حضوره ومساهمته وقيادته لما يقوم به نظامه الدموي، وهذا اعتراف صريح بأنه يتحمل المسؤولية الكبرى في قتل الآلاف من المواطنين السوريين، وتعذيب واعتقال عشرات الألوف منهم وتدمير الأحياء السكنية ونهب الأموال الخاصة والعامة، وكل الجرائم الأخرى التي تعتبرها منظمات حقوق الإنسان العالمية جرائم ضد الإنسانية في تقاريرها عن سوريا.

وهذا الاعتراف سيكون بمثابة صك لتعزيز الاتهام ضده في المحكمة الجنائية الدولية عن قريب.
قال الأسد بأنه لن يتخلى عن السلطة لمعارضيه، وقال بأن هناك العديد من الدول ووسائل الإعلام والمواقع الالكترونية التي تنشر ضد نظامه وضده شخصياً، ولكنه لم يقل لماذا، وما الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الحرب الإعلامية، سوى أنه مؤمن ب”نظرية المؤامرة” التي كان شبيهه القذافي في ليبيا مؤمناً بها.

لا تخلي عن السلطة ولا مجال للاعلام العربي والدولي للبحث عن الحقائق على الأرض في بلاده، إضافة إلى استمراره في سياسة البطش بذريعة أنه يحارب “الإرهاب”…فهل هناك أتعس من هكذا مواقف في عالمنا الذي صار قرية إعلامية كبيرة؟ فلو سمح للإعلام المستقل دخول البلاد والتجوال فيها بحرية لوقع بعض هؤلاء الإعلاميين في أيدي “الإرهابيين!” وكان بامكانه اقناع العالم الخارجي والشعب السوري بصحة مزاعمه عن تواجد الارهابيين، إلا أنه على علمٍ تام بأن العمليتين الارهابيتين الكبيرتين في سوريا كانتا من نسج وتخطيط وتنفيذ أجهزته الأمنية.

ولو أبدى استعداده للتخلي عن الحكم، “حسب رغبة الشعب!” لضرب المعارضة السورية ضربة قوية، إلا أنه مذعورٌ كما يبدو حتى من الحلم باتخاذ هكذا موقف جريء، ولذلك أكد على استمرار حكمه، رغم الدماء المسفوكة، وبذلك يضع نفسه بنفسه في قفص الاتهام للمحكمة التي ستسأله عن سبب عدم تخليه عن السلطة إن لم يكن مسؤولاً عن كل هذه الجرائم ضد الإنسانية.
هاجم الأسد الدول العربية أو أكثرها واتهمها بأنها لاتريد الخير لسوريا، وزعم بأن بلاده تعرف الحياة البرلمانية منذ أمدٍ طويل.

وقد أخطأ في هاتين النقطتين أيضاً، إذ أن كل السوريين يتهمون الدول العربية بمساندة النظام السوري ويمنحونه الفرص المتتالية للقضاء على المعارضة الشعبية في بلاده، فلو كان يجيد هذا الرئيس السياسة لاتخذ موقفاً آخر من كل الدول العربية بهدف كسبها كلها إلى جانبه، ولما ترك حبل الشتائم والسباب في إعلامه التافه على الغارب مفسحاً المجال لبعض الزعامات العربية إلى اتخاذ مواقف أشد نقداً له ولنظامه… وأما ما زعمه عن الحياة البرلمانية الديموقراطية في سوريا فلا أعتقد أن طالب مدرسة ابتدائية سيقتنع بديموقراطية الأسد أو برلمانية نظامه أو بعدم تبعية “مجلس القرب!” لأجهزته الأمنية كما يتبع الذنب صاحبه.

ونقول “القرب” لأن أعضاءه المنتفخون كالقرب لايملكون حق اتخاذ أي قرار، ديموقراطياً كان أو غير ديموقراطي، وهم ليسوا هناك إلا لتمرير سياسات وقوانين النظام الذي لايعترف بأدنى مستوىً من مستويات الديموقراطية.
الأسد لايزال يبحث عن “معارضة” ترضى به رئيساً ومحاوراً ومقرراً لسياسات البلاد، وهو يدرك تماماً أن أي معارض يقترب من الأسد ونظامه، إنما يحفر حفرة موته سياسياً، ولذلك يمكن القول بأن الأسد بات معزولاً تماماً بعد هذا الخطاب أو من قبله، شعبياً وعربياً ودولياً، وهكذا رئيس، مهما كان نظامه دموياً، على طريقه للرحيل… أو التقليع…
فهل يدرك ذلك أم أنه لايريد أن يرى ويسمع؟
ألا يجدر بنا تسميته بعد هذا الخطاب ب”قذافي سوريا”؟

، ‏10 ‏ كانون الثاني‏، 2012

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…