خطاب الأسد, وسقوط ورقة التوت

  أحمد حسين العيسى

رغم الانخفاض الكبير في نسبة الإهتمام الشعبي السوري‎ بلقاءات الأسد وخطاباته إلى الحد الأدنى (بعد انعدام الأخير شبه التام إقليميا ودوليا).

إلا أن المشاهد عموما والمواطن السوري المقهور على وجه الخصوص كان يتأمل ويتمنى، في قرارة نفسه، أن يستيقظ هذا الوريث الشرعي الشاب من وسواسه القهري وغيبوبته الفكرية وأحلامه الوردية والمتعلقة بحصر الأزمة بالإرهاب والجماعات المسلحة والمؤامرة الخارجية ليأمر – كما تقتضي الحكمة والعقل والمنطق والعدل- بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وسحب المظاهر العسكرية من الشوارع والسماح بدخول وسائل الإعلام الحرة المستقلة…
 بتعبير آخر تطبيق كافة بنود مبادرة الجامعة العربية (وليس بنود بروتوكول المراقبين كما يصرح النظام) والإنتقال من لغة التسويف إلى لغة الأرقام والوقائع التي قد تثلج صدور السوريين العطشى للحرية، وتدخل الدفء إلى قلوبهم التعيسة المتجمدة بعد أن حرمتهم دبابات ومصفحات الجيش من نعمة الوقود في شتاء هو الأقسى على السوريين منذ أكثر من أربعين عاما،غابت عنه كل مظاهر الحرارة إلا حرارة الدم السوري الطاهر المسفوك ظلما وعدوانا على يد جيش النظام وشبيحته وأمنه.

إلا أن الأسد أكد في خطابه الرابع (محليا) انفصاله الكامل عن الواقع وفقدانه لإتزان القادة الحكماء وابحاره اللامحدود في نظريات المؤامرة والاستهداف الخارجي.

الأسد الذي أظهر هذه المرة مدى شوفينيته المقيتة لقوميته بتكراره لمصطلح (العروبة) أكثر من عشرين دقيقة خلال خمس عشرة دقيقة، استمر بخطابه الفلسفي السفسطائي أكثر من تسعين دقيقة، لم يتخلى خلالها عن عادته الغبية في شرح البديهي المفهوم والغوص في التعاريف والابتعاد عن جوهر الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ قرابة أحد عشرة شهرا.
لقد أدرك الأسد (والذي بدا مرتبكا متوترا أكثر من ذي قبل) أنه يقف على حافة السقوط الحتمي بعد أن وصل في خطابه الأخير إلى نسخة مشابهة لخطابات طاغية ليبيا الأخيرة.

إذ لم يتورع أبدا في إطلاق تهم الخيانة على بعض القادة والأنظمة العربية التي باعت سورية ونظامها (المقاوم الممانع..

قلب العروبة النابض) في سوق النخاسة الدولية (على حد قوله).

متوعدا العرب..

كل العرب (المستعربين) والذين نسوا روابط الأخوة والعروبة بالعقاب العسير والقدرة على الاستمرار في وجه الهجمة الإمبريالية العالمية الشرسة (كما أدعى).

أظهر أيضا تطرفا في جنونه من خلال تطرقه لمواضيع جانبية لاعلاقة لها بالأزمة، كحديثه عن أزمتي الغاز والمازوت وعن ترتيب سورية في إنتاجي القمح والزيتون ومدى الإكتفاء الغذائي الذاتي للبلاد.

في إعلان واضح وصريح من قبله لحالة الإستنكار والإستهجان والقلق المتداول بين أطياف الشعب السوري عموما من مغبة الدمار الإقتصادي المرتقب.

كما أظهر استخفافا بعقول السوريين وآلامهم وأوجاعهم من خلال ضحكاته وقهقهاته البلهاء عند دخوله منصة الخطاب.

متناسيا الدماء السورية المراقة على ضفتي الأزمة والتي خلفها هو وأزلامه من حاشية العائلة الملكية المالكة الفاسدة.
لقد تعرى الأسد أمام الجميع وأسقط عن نفسه وعن نظامه ورقة التوت الأخيرة وأحبط كل الرهانات المعقودة على استعادته لوعيه ورشده من ناحية إعلانه التنحي عن الحكم.

بل أثبت اليوم – من خلال قتل شبيحته لأحد المراقبين العرب وإصراره في ساحة الأمويين على الاستمرار في اسطوانة المؤامرة والتحدي والمقاومة- سيره المحتوم على طريق الهاوية والسقوط الذي سبقه إليه سابقون من طغاة كانوا حتى الأمس القريب فراعنة وآلهة على عروش مشيدة زلزلتها قوى الشعوب المظطهدة وإرادة الحرية المتقدة في قلوب طال انتظارها لفجر غد مشرق بسام.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…