خلال أيام قلائل فقط، بدا أن قبضة النظام الأمنية قد وهنت…فقد بدأت قواته المسلحة تخلي مناطق بأسرها… بل وتدير مفاوضات مع قوى محلية، (مسلحة بالطبع وليست عزلاء كما يقول بعض المعارضة) لوقف إطلاق النار، وترتيب سحب الجش والأمن والشبيحة…
النظام يسيطر على مراكز بعض المدن، وليس جميعها…فيما الأرياف السورية تكاد تكون خارج قبضة النظام، ويتتالى سقوط السلطة ورموزها فيها، الواحد تلو الآخر…أما المدن الكبرى، فلا تخلو ضواحيها وعشوائياتها وأحزمة الفقر المحيطة من مظاهر إخلال بسلطة الدولة…وتنتنشر فيها ظاهرة “المظاهرات الطيّارة” التي تذكر بـ”الحواجز الطيّارة” زمن الحرب الأهلية في لبنان.
المستوى السياسي في سوريا، يكاد يكون مغلوباً على أمره….المصادر تتحدث عن حالة إحباط يعيشها نائب الرئيس (فاروق الشرع) ووزير خارجيته (وليد المعلم)…الأول بعد استخدامه كواجهة للحوار الوطني المُجهض الذي عقد لجلسة واحدة يتيمة فقط…والثاني بعد أن تلقى صفعة في مؤتمره الصحفي الشهير، من صنف ما واجه كولن باول في مجلس الأمن عشية الحرب على العراق، بعد أن نجحت المخابرات في كلا البلدين في تضليل المستوى السياسي بمعلومات كاذبة، من الألف إلى الياء…سلطة القرار تكاد تكون محصورة بحفنة من الجنرالات والأقارب والأصهار، محكومة بنظرة أمنية لا يجاريها في ضيقها (وضيق أفقها) سوى طابعها العائلي والطائفي.
ليس ثمة في الأفق ما يشي إلى أن النظام قد أدرك بعد مرور عشرة أشهر على الانتفاضة، وستة آلاف قتيل وشهيد، بأن الحل الأمني/ العسكري قد سقط…ليست في جعبة النظام خيارات سياسية يمكن أن تشق أفقاً بديلاً للأزمة الطاحنة المفتوحة على شتى الاحتمالات وأكثر السيناريوهات إثارة للقشعريرة….النظام ما يزال على خياره الأمني، وهو يلوذ بحلفائه الذين طالما “استصغرهم” من أجل تزويده ولو بـ”بصورة تذكارية” تعيد إليه بعضاً من بريقه المُطفأ.
وفي المعلومات القادمة من دمشق، أن السلطة تسعى في ترتيب “صورة تذكارية” للرئيس مع رموز المقاومات العربية في فلسطين ولبنان…الهدف واضح بالطبع، النظام يريد الاستثمار في موقفه “المُمانع” للتعويض عن بؤس موقفه “الديمقراطي”…النظام الذي لم يُصغ إلى نصائح أصدقائه الأكثر صدقاً وصدقية، الذين حثّوه حتى قبل أن تندلع ثورة الخامس عشر من آذار،على إتخاذ خطوات إصلاحية (خالد مشعل وقيادة حماس)، وأغلق أبوابه وآذانه في وجه نصائحهم الصديقة والأخوية النابعة من عميق العرفان بجميل سوريا على المقاومة الفلسطينية، هذا النظام يبحث اليوم عن “صور تذكارية” لتوظيفها في ماكينة إعلامه الغبيّة، التي تأكل من رصيده يومياً، ومن دون كلل أو ملل.
ليس المهم أن تقرر الجامعة أو لجنتها الوزارية أو وزراء الخارجية العرب فرادى ومجتمعين، ما الذي يتعين فعله بخصوص فريق المراقبين العرب…السؤال الأهم: ما الذي سيحصل بعد شهر أو حتى إثنين…وما الأثر الذي سيترتب على مضاعفة أعدادهم أو بقائه على حاله…بل وماذا إن خرجوا بما يصادق على رواية النظام عن وجود “خلايا وعصابات مسلحة”…هل يمكن اختصار حركة الشارع السورية بهذه الخلايا والعصابات ؟!….هل يمكن الركون إلى “مشروع إصلاح وطني” لا نسمع عنه غير الإشادات الصادرة عن نعيم قاسم وقاسم سليماني وبعض المواطنيين “الغلابى” الذين يستنطقهم التلفزيون السوري وقناة “دنيا”؟!….أين هو المشروع الذي سيخرج سوريا من عنق أزمتها؟!…وهل ننتظر “الخطاب الأربعين” لكي نتعرف على ملامح هذه الأزمة، بعد أن عجزت الخطابات الأربع عن فعل ذلك؟!.
أزمة سوريا، سوريّة المنشأ برغم التدخلات والتداخلات المرافقة والمصاحبة لها…ومفاتيح الحل في “جيوب” الرئيس وحفنة الجنرالات والأقارب المحيطين به….هؤلاء هم الذين قادوا الأزمة نحو الإنفجار ونقطة “اللاعودة”…وهؤلاء هم من بمقدوره اختصار “درب الجلجلة” على الشعب السوري أو المقامرة بمصائر شبيهة بما آل إليه رؤساء وحكام سبقوهم على دروب المنافي والسجون والقبور.
مركز القدس للدراسات السياسية