عشرون عاماً … سياسة متزنة ونضالٌ مستمر

  إفتتاحية الوحـدة *

بعد حواراتٍ مثمرة بين ثلاثةٍ من فصائل الحركة الوطنية الكردية في سوريا وتشكيل القيادة  المشتركة بتاريخ 25/05/1992 وإقدامِها على نشاطاتٍ عملية متميزة سلطت الضوءَ على عدالة القضية الكردية كي يطلعَ عليها أبناءُ سوريا بكافة قومياتهم ومشاربهم الفكرية والسياسية.

تلك التي تعاملتْ معها السلطات حينئذٍ بمزيدٍ من القمع والتنكيل وحملات الاعتقال،  وتوجَّتْ تلك الحواراتُ أخيراً بعقد المؤتمر التأسيسي الأول أواسط نيسان عام 1993م.
جاءَ المؤتمرُ التوحيديُ رداً على حالة التشتت والانقسام السائدة في الساحة الوطنية الكردية بعد تغليب التناقض الرئيسي على سواه من التناقضات.
 كما كان استجابة حقيقية لإرادة الرفاق ورغبة الجماهير الكردية على تجاوز حالة اليأس وردم الهوة بين الأحزاب وجماهيرها، ومحاولة جادة لبناء تنظيم سياسي قوي يستمدُّ قوته من جماهيره ليكون أداة نضالية فاعلة لتحقيق هدفٍ نبيل لا أن يكون هدفاً بحد ذاته.
لم يكتفِ الحزبُ بهذه الخطوة فحسب بل وضع نصبَ عينيهِ الشروعَ في استكمال ترتيب البيت الكردي عبر تشجيعِ الوحدات التنظيمية بين الأحزاب المتقاربة فكرياً، معتمداً شعار (الوحدة النضالية للحركة الوطنية الكردية في سوريا) على قاعدة نبذ المهاترات وانتهاج مبدأ التعامل الديمقراطي ولغة الحوار… وقررَ الحزب في نظامه الداخلي اعتمادَ مبدأ احترام الرأي الآخر ضمن هيئات التنظيم واتاحة الفرصة أمام الأقلية للتعبير عن رأيها في الجريدة المركزية في إطار احترام كل الآراء والأفكار، وكانت خطوة في غاية الأهمية.
عشرون عاماً، وحزبنا يسيرُ على نهجه وخطه السياسي الذي ينسجم من وجهة نظرنا مع مصلحة شعبنا الكردي والمصلحة الوطنية السورية، فكان له إلى جانب أحزاب الحركة الكردية اليد الطولى في تأسيس علاقاتٍ طبيعية مع أحزاب الحركة الوطنية السورية والفعاليات المجتمعية والحقوقية والشخصيات الثقافية الوطنية، والعمل على مدِّ جسور الثقة وإرساء أسس التفاهم ونشرِ قيم وثقافة التسامح بعيداً عن ثقافة التخوين والتكفير والاستعلاء بين أبناء الوطن الواحد من خلال التواصل المستمر واللقاءات النضالية الأخوية.

تلك العلاقات والنشاطات ساهمتْ إلى حد ما بتعريف الرأي العام العربي السوري بعدالة القضية الكردية والتوافق على ضرورة حلها بالوسائل السلمية الديمقراطية من خلال لغة الحوار، تلك التي أصبحتْ فيما بعد أساساً لتأسيس ائتلاف إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي السلمي في سوريا، ذلك الإعلان الذي اعترفَ في وثيقته السياسية بضرورة (إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا..).

واعتُبِرتْ حينها إنجازاً للحركة الوطنية الكردية.

كما تمَّ التوافق بين الأطر السياسية الكردية القائمة على إنجاز الرؤية المشتركة لحل القضية الكردية في سوريا بتاريخ20/4/2006 بهدفِ توحيد الرؤية والموقف الكردي لحلِّ هذه القضية التي أضحتْ قضية وطنية سورية، يهتم بها المناضلون السوريون من أقصى البلاد إلى أقصاها، لأنها أصبحتْ قضية الجميع، منطلقين من قناعة ثابتة أن من يضطهدُ جزءاً من الشعب السوري كرداً كانوا أم سرياناً أو تركماناً…فإنما يضطهد الشعبَ السوري برمته بل يسيء إلى الوطن الذي كلنا شركاءٌ فيه.
رغم كلِّ العراقيل والصعوبات التي اعترضتْ مسيرة النضال الشاقة، استطاعَ حزبنا بدعم ومؤازرةٍ من مؤيديه وأنصاره أن يتابعَ الدربَ بهدوء وثقة بعيداً عن منطق ردود الفعلِ والتسرّع في اتخاذ المواقف.

بالطبع لا تخلو أية مسيرةٍ نضالية من الأخطاء والعثرات التي نقرّ بأننا قد أخطأنا حيناً وأصبنا أحياناً، ولانزال نسعى مخلصين من أجله والوفاء له، ونعتقد بأننا قد عملنا من جانبنا قدر المستطاع في ترسيخ عرى الوحدة الوطنية الحقيقية على قاعدة المساواة واحترام حقوق كافة المكونات والأطياف السورية، وطن جميع السوريين على اختلاف ألوانهم وألسنتهم.
بهذه المناسبة، يحزّ في نفوسنا أننا فقدنا قبل عام ونيف رئيسَ الحزب الأستاذ اسماعيل عمر الذي كان له دور هام ورئيس لهذا الفكر وهذه المدرسة الوطنية القائمة على العقلنة والموضوعية التي نبقى نعتز بها، هذا التوجه الذي يقضي بتغليب المصلحة القومية لشعبنا الكردي والمصلحة الوطنية السورية على المصالح الحزبية.

لقد ساهمَ الراحل الكبير في تقريبِ آراء أحزاب الحركة الوطنية الكردية حينما كان مسؤولاً للعلاقات الكردية في التحالف الديمقراطي الكردي وحظيَ باحترام الكثيرين لِما كان يتمتع بها من خصالٍ إنسانية وهدوءٍ واتزان.

عملَ الراحل على التفاني ونكران الذات، وعلَّمَ رفاقَ دربه سلوكَ السيرِ على طريق محبة الناس وخدمتهم ونبذ الأنانية.
عشرون عاماً، ولا يزال الطريق شاقاً وطويلاً، سقطَ خلالها رفاقٌ مناضلون كبارٌ وشهداءٌ كرسوا حياتهم وأرواحهم دفاعاً عن عدالة قضية آمنوا بها.

لا يزال الطريق طويلاً ومحفوفاً بالمخاطر خصوصاً في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا، حيث تعتمد السلطة لغة القتل والتدمير والعنف الممنهج طريقاً وحيداً لحل الأزمة السورية التي وصلتْ إلى نهايات مأساوية وتنذر بمخاطر أكثر مأساوية وكارثية ليسَ على البلاد فحسب بل على المنطقة كلها.

لكن، وعلى الرغم من وعورة الطريق، فليسَ لنا خيارٌ سوى مواصلة المسيرة متمسكين بمبدأ وحدة الصف الكردي الذي يُعدُّ أساسَ النجاح في تحمل المسؤولية والعمل الدؤوب لحماية وتعزيز دور ومكانة المجلس الوطني الكردي وعدم السماح بأي شرخ فيه تحتَ أية حجج أو ذرائع كونه العنوانُ الأبرزُ الذي يمثل الكرد في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ شعبنا، والاستمرار في اتباع لغة الحوار مع أطر وأطياف المعارضة الوطنية السورية لبناء ائتلاف وطني سوري عريض يضم كافة القوى السياسية والفعاليات الثقافية والشبابية والمجتمعية والحقوقية لقيادة المرحلة ورسم مستقبل سوريا الغد من خلال برنامج سياسي واضح يتوافق عليه الجميع دون تهميشٍ أو إقصاء لأحد، والعمل بجد وإخلاص على حماية السلم الأهلي، وصولا إلى الإقرار بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي دستورياً وحل قضيته حلاً ديمقراطياً عادلاً وفق العهود والمواثيق الدولية  وتلك المعمول بها في الدول الديمقراطية وذلك في إطار حماية وحدة البلاد وتطورها الديمقراطي على قاعدة السلم والحرية والمساواة.

* جريدة الوحـدة – العدد / 225 / – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…