هل يمكن تغيير النظام بثقافة النظام

  د.صلاح درويش

الثورة ، الانتفاضة، مصطلحات و حركات سياسية و اجتماعية تتمثل في أشكال مختلفة و تقود إلى نتائج مختلفة ليست بالضرورة موائمة لما قامت من أجلها، و هذا يعتمد على وحدة صف من يقود هذه الحركات و على إرادة التغيير الحقيقي لديهم، تلك الإرادة التي تتمثل في دولة حديثة تضمن حرية و كرامة المواطن و حقوق الشعوب.

فما سمي بثورة (الثامن من آذار) في سوريا نجحت في تغيير الوجوه و الأشخاص ، لكنها لم تأت بجديد في مجال الحريات العامة و الخاصة، بل أزادت الأوضاع سوءاً، حيث احتكر حزب البعث كل الحياة السياسية و الاقتصادية و الثقافية و رفض أية شراكة حقيقية مع الآخر، و أنكر حقوق القوميات و الطوائف على مدى عقود، و كذلك ثورة أكتوبر الاشتراكية التي أنهت  حكم القياصرة ، و أحتكر الحزب الشيوعي السوفييتي بدوره كامل مفاصل الحياة، و الأمثلة كثيرة على ذلك.
إن الجماهير التي تثور و تنتفض و تضحي لا تبتغي من وراء ذلك مجرد استبدال نظام سياسي بآخر، بل تريد التغيير في بنية المفاهيم و الأفكار و السياسات الشمولية السائدة التي تتنكر لوجود الآخر سياسياً أو دينياً أو قومياً، و لا تهدف إلى إبدال سجن النظام و قمعه بسجن نظام آخر و قمع جديد، فتغيير النظام بثقافة النظام، ما هو إلا تغيير في الشكل بعيداً عن المضمون، مما يفقد الثورة زخمها و يوسع من هاجس الخوف على نتائجها، على عكس حاجة الثورة إلى طمأنة الجماهير إليها ورضاها و التضحية من أجلها، لتثبيت شراكة الجميع مع الجميع.
ففي الحالة السورية ، و إذا كانت الأطر السورية المعارضة ، سواء أكان المجلس الوطني السوري أو هيئة التنسيق الوطنية أو غيرها من أطراف المعارضة، كانت ترغب في أن تكون ممثلة للشعب السوري أو الثورة السورية، فيجب عليها أن تعمل على تحقيق أهداف هذه الثورة المتمثلة في التغيير الحقيقي الذي ينهي معاناة الشعب السوري عرباً و كرداً و آثور،قبل أن تبحث على استلام السلطة، فليس المهم من سيحكم البلد بعد الآن بقدر ما يهم أية قوانين و دساتير ستوضع للاعتراف بحقوق الجميع، العرقية و الدينية و السياسية و صونها دستورياً.
فإذا كان المجلس الوطني الكردي يكتسب صفة الممثل الشرعي للشعب الكردي حين يدافع عن حريته و كرامته و حقوقه المشروعة، و إذا كان المجلس الوطني السوري و هيئة التنسيق و غيرهم يكتسبون صفة التمثيل الشرعي حين يدافعون عن حقوق جميع شرائح المجتمع السوري ، فالأولى بالجميع أن يحقق رغبات الجميع و حقوقهم ضمن الأطر الدستورية التي تحمي وحدة البلاد ، و لا داعي حينئذ للسجالات العقيمة و المفاوضات الماراتونية إن أراد الطرفان الإبقاء على حقهما في التمثيل الشرعي.
فإذا أخفق المجلس الوطني الكردي في تحقيق ما يطلبه الكرد من حقوق ضمن وحدة البلاد فإنه قد يخسر مشروعية تمثيله للشعب الكردي و لكن الشعب الكردي يبقى موجوداً و سيبقى مطالباً بحقوقه لأنه وجد قبل حركته السياسية، و إذا أصرت قوى المعارضة السورية (المجلس الوطني و غيره) على عدم الاعتراف بالحقوق الكردية المشروعة فإنها ستفقد صفة تمثيلها لكل أطياف المجتمع السوري و تفقد مصداقيتها.
إن الثقافة التي تحتاجها سوريا بعد كل هذا النزيف و كل هذه التضحيات تختلف كلياً عن الثقافة السائدة في إنكار حقوق القوميات، بل إن الأولى بمن يدعون صفة تمثيل الشعب السوري أن يدافعوا هم أنفسهم عن الشعب الكردي و حقوقه القومية حتى و إن لم تكن هناك حركة سياسية تمثل هذا الشعب.

فالتهرب من المسؤولية لا يعني الإعفاء منها، و إن أي نظام قادم يحتاج إلى فرض احترامه ، و ليس فرض إرادته كما يعمل النظام الحالي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…