الكرد وخطر الأنا الانشطارية المتوارثة

دلكش مرعي

بعض الطيور والزواحف تلقي ببيوضها تحت الرمال وترحل لتفقص بعد ذلك بحرارة الرمال دون حضانة  ومن ثم تكبر وتسلك سلوك والديها دون أن تتلقى أي تربية منهما ويتم هذه الظاهرة الفريدة عبر ذاكرة  الشفرات الوراثية لهذه الكائنات … فيبدو أن آلية الانشطار والتبعثر والشقاق المدمرة قد تأصلت في جيناتنا نحن أبناء الشعب الكردي  وتحولت إلى جزء لا يتجزأ من شفراتنا الوراثية تنتقل من جيل إلى جيل بالتوارث الجيني تماماً كتلك الزواحف والطيور وربما تستمر إذا بقيت دون معالجة وتقضي على مستقبل هذا الشعب ..
  وهذه الظاهرة الاجتماعية أو لنقل هذه الآفة المدمرة  التي تسمى – بالانشطار الذاتي –  هي حالة تمويهية يمارسها الكائن المأزوم أو الضعيف أو المتخلف للهروب من مواجهة الواقع ومآزقه ومن مواجهة مضطهديه ومغتصبي حقوقه واللجوء إلى خلق حالة من الصراع الذاتي عبر شرذمة المجتمع وقواه السياسية لخلق نوع من الفوضى والمجابهة الأخوية والقيل والقال للتغطية على الفشل والهزيمة والتملص من المسئولية الوطنية والأخلاقية والهروب عبر ذلك من  المواجهة مع المعتدي وإلهاء الشعب بصراعات ونزعات دموية لا تجلب سوى الدمار والخراب  …   والأغرب من هذا كله هو ليس في الهروب من مواجهة الواقع ومن مواجهة المعتدي فحسب بل هناك ظاهرة فريدة أخرى لدينا نحن الكرد تكمن في ظاهرة  الاحتماء بالمغتصب أو المعتدي الذي يعتدي على حقوقنا وعلى كرامتنا وإنسانيتنا و ونثق بأبناء جلدته الذين ينتمون إلى نفس فصيلة هذا المعتدي وميراثه وفكره وسلوكه ونضع كل آمالنا وتطلعاتنا ومستقبلنا في عهدتهم  ونتحالف معهم في هذا الموقع أو ذاك بينما نستعدي ونبتعد عن الحوار والتحالف الكردي الكردي … علماً أن التحالف الناجح هي تلك التي تبنى على حسابات دقيقة أي تبنى على وجود نوع من توازن القوى بين الأطراف المتحالفة حتى إذا ما أُخلّ أحد الأطراف  بتعهداته تبقى الأمور تحت السيطرة ولا تؤدي ذلك إلى الأضرار بالطرف المغدور ويكون لديه القدرة الكافية والاستعداد  للمواجهة وانتزاع الحقوق  وهذه القدرة والقوة والتوازن لن تتحقق كردياً إلا بوحدة وموقف الشعب الكردي وقواه السياسية  …

وهناك حالة شائعة أخرى للمهزومين الضعفاء تكمن في الاحتماء بالماضي وانتصاراته المجيدة وبما أن ماضي الكرد قد اخترق أو انتهك من قبل مغتصبي كردستان ولم يبقوا إلا على الجزء اليسير منه أو التعتيم والتستر على أي أثر تاريخي للكرد بل وينسبون جميع الآثار التاريخية للشعب الكردي إلى ماضيهم المجيد فلم يبقى للكرد سوى الاحتماء بالكرد الذين ضحوا في سبيل قضايا هؤلاء وتحرير أرضهم  ومقدساتهم  كصلاح الدين وآلاف الشهداء الذين استشهدوا على جبهاتهم  في معاركهم القومية آملين بأن تتحرك ضمائر هؤلاء ويشفقوا على الكرد ويقدروا دماء شهدائهم وينظروا إليهم بعين الرحمة والشفقة ولكن من المؤسف قوله بأن الكرد ينسون تجاربهم المريرة مع هؤلاء وممارساتهم العدوانية ضد الشعب الكردي ويكررون أخطائهم التاريخية  … وهكذا وعبر هذه المواقف للقوى السياسية الكردية التي تعيد عبر هذه الممارسة تعيد لولبية المأساة ذاتها وأخطائها التاريخية  ذاتها وتقود عبر هذا النهج معارك المصير الفاشلة ذاتها أي إنها تحول من خلال ممارساتها التشرذمية المذكورة الإنسان الكردي إلى أداة لهدر ذاته وتحطيم مستقبله … هذا هي بعض أنواع الادمان الشقاقي والتشرذمي للشعب الكردي الذي أدمن عليها تاريخيا وأصبح جزء لا يتجزأ من كينونته وميراثه  ….

كلمة أخيرة نقول بأن الانشطار الذاتي تقضي على الطاقات الحية للشعوب وتنسفها وتتحول إلى  مفهوم شبه ثابت وخطر على الذات وعلى الوجود وتعيد أنتاج ذاته عبر الميراث الفكري والتربوي ولكن هذه الحالة  ليست هي قدر الشعوب  ولا هي حالة طبيعية فطرية بل هي حالة تربوية مكتسبة  قابلة للمجابهة والتغير إذا توفرت الإرادة الحرة لتحقيق ذلك من هنا نناشد كل الضمائر الكردية الحية الشريفة  القيام ببتر هذه الآفة والاحتكام إلى العقل وحل القضايا الخلافية عبر الحوار الأخوي والبعد عن العنف والصراعات الحزبوية  والتوحد رأفة بمشاعر هذا الشعب وحقه في الحياة ليعيش بحرية وكرامة كبقية شعوب الأرض ونضم صوتنا إلى نداء الزميل خليل كالو
 
الانشطار الذاتي – أو البتر الذاتي – هي آلية دفاعية تقوم بها بعض الزواحف عندما تتعرض للخطر من هجوم مخلوق مفترس فتقوم بفصل جزء من جسدها للمفترس للتمويه عليه والهرب

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…