الثورات تُعطي لمن يعطيها

نزار عيسى
 

مع دخول الثورة السورية شهرها الخامس عشر وفي ظل هذا النفس الطويل والزخم الكبير للثورة السورية رغم استمرارعمليات القمع الشديد والقتل المُمنهج والتي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وتواصل عمليات قصف التجمعات والأحياء السكنية بالمدفعية الثقيلة وتدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها وتهجير الناس من بيوتها إلى البلدان المجاورة فرغم كل تلك الممارسات الهمجية من النظام ، استمرت ثورة الحرية والكرامة في عموم سوريا من درعا مهد الثورة السورية إلى قامشلوا وفي كل جمعة يتجمع عشرات الألوف امام المساجد إيذاناً ببدأ تظاهرات عارمة وتطلق عليها في كل جمعة تسمية جديدة تحفز الثوار وتشحذ الهمم على المضي في ثورتها وبروح معنوية عالية وإيمان عميق بالنصر القريب
لكن بعض الأقلام والأصوات من هنا وهناك بدأت تأخذ على الثورة السورية تسمياتها ذات الطابع الديني الإسلامي من جمعة الله أكبر إلى جمعة نصرٌ من الله وفتح قريب وما بينهما من عشرات الجُمع وبتسميات مختلفة
وحجة هؤلاء ان في سوريا طوائف و إثنيات دينية أخرى كالأخوة المسيحيين (اشوريين- أرمن – كلدانيين) والاخوة اليزيديين والدروز والعلويين والإسماعيليين والتركمان والشركس وأن توجه البعض الآخر في سوريا هو ليبرالي وعلماني
ونسي أوتناسى أصحاب تلك التحفظات وما يسوقونه من مبررات ومن حجج  أن الكثير من تسميات الجمع في سوريا تطرقت إلى تلك الطوائف وحُددت بالإسم كالجمعة العظيمة في إشارة إلى الطائفة المسيحية وجمعة سلطان باشا الأطرش للطائفة الدرزية وجمعة  الشيخ صالح العلي للإخوة العلويين وأخرى ترمز للشعب للكوردي في سوريا كجمعة آزادي وجمعة الانتفاضة الكوردية (انتفاضة قامشلو) وذلك تقديراً للتضحيات التي قدموها ولازالوا في نضالهم ضد نظام القهر والاستبداد
إذاً يمكننا ان نقطع الشك باليقين من أن الثورة السورية هي لكل السوريين ويجب أن تكون كذلك وليست مصبوغة بصبغة معينة وأن غلبة الشعارات الاسلامية مردها أن غالبية الشعب السوري من المسلمين وأن الإنسان خُلق ضعيفاً وهو بالفطرة وبطبيعته عندما يصيبه أي كرب أو تحل به أية مصيبة فإن إلتجائه يكون لله وحده القاهر الجبار الذي يستجيب لدعوة المسلم في أصعب الأوقات وأحلك الايام
ولذلك علينا ألا نبالغ في توجسنا من طًغي الطابع الاسلامي لتسميات أيام الجمع أو بعض الشعارات التي تردد أو الكتابات التي ترفع في التظاهرات هنا وهناك
أما ما يردده البعض عن التوجس والخشية من جماعة الإخوان المسلمين فما هومعروف و معلن من قبل هذه الجماعة والذي كررته وتؤكد عليه في كل تصريحاتها وبياناتها من أنها تسعى للعمل مع باقي التيارات والمكونات والأطياف الأخرى في سوريا على إقامة دولة مدنية عصرية أساسها العدل والمساواة واحترام وإقرار حقوق الجميع في إطار الدولة السورية
وزبدة القول ومن خلال سبرأغوار تاريخ ثورات الأمم السابقة  فإنه لا مكان في كل هذه الثورات للمنظرين والمشككين والمترددين والثورة تعطي لمن يعطيها الغالي والنفيس ويساهم في إنجاحها بدلاً من التناطح والتصارع على المكاسب الشخصية والحزبية بينما النظام يوغل في القتل ويريق يومياً دماء العشرات من خيرة أبناء سوريا ويدمرالبنى التحية لسوريا الوطن  ؟؟؟؟ .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…