وبذلك فان المراقب لأداء هاتين الوسيلتين الاعلاميتين منذ أكثر من عام يلحظ دون عناء اختلافهما مع رؤيتين جوهريتين لغالبية السوريين وثورتهم لمرحلة مابعد الاستبداد الأولى حول شكل ومضمون النظام السياسي القادم وكيفية التعامل مع النظام القائم حاليا وتتجسد هذه السياسة في تعامل الوسيلتين بالصوت والصورة أو كتابة وبصورة واضحة ومستمرة مع شخصيات سورية – محسوبة على المعارضة – حقا أم باطلا معروفة بدعوتها لعدم مس النظام السياسي الراهن أو تفكيكه أو تغييره بصورة حاسمة وذلك بذريعة عدم تكرار التجربة العراقية والمقارنة هنا ليست موضوعية ولادقيقة لأن من أسقط النظام هناك هو جيش أجنبي وهنا في سوريا المعارضة الشبابية – الشعبية تتنشط في كل بقعة من البلاد وهي التي أشعلت الثورة وتتصدى لمهام اسقاط النظام واعادة البناء حسب مصالح الشعب والوطن ولايعدو التغيير حسب رؤية تلك الشخصيات التي لايمر يوم الا وتستحضر اما في الفضائية أو تستكتب في الصحيفة أكثر من تبديل رئيس برئيس آخر من نفس النهج واجراء تغيير حكومي وصولا الى حكومة ائتلافية وبطبيعة الحال فان عدم مس النظام القديم وتفكيكه تحت الحجة الواهية – الحفاظ على وحدة المجتمع والبلاد – يعني عمليا الابقاء عليه وهو الأقوى بما له من امكانات بشرية حزبية وفئوية ومؤسسات أمنية وقاعدة اقتصادية – اجتماعية والفائز سلفا في أية منافسة حتى لو كانت ديموقراطية شكلية وفي نهاية المطاف لن يتغير أي شيء وتذهب دماء الشهداء سدى وتسقط آمال السوريين على ربيعهم ويبقى الاستبداد في صور وأشكال أخرى .
ومن الأمثلة البارزة لافساح المجال الاعلامي لمثل تلك الشخصيات مثال الكاتب السياسي السيد – ميشيل كيلو – الذي لايخفي مواقفه ويعلن عنها جهارا ففي حين لايعدم فرصة الا وينشرها في بعض الصحف اللبنانية الممانعة الموالية لنظام الأسد يكتب بالوقت ذاته بنفس المضمون ولكن باسلوب مختلف في – الشرق الأوسط – أو بالصوت والصورة في قناة – العربية – وقد قام بعض الأصدقاء بالرد على مقالاته وأنا من بينهم ولكن الصحيفة امتنعت عن نشر الردود مما يضيف الأمر شكوكا جديدة على تورط القيمين عليها في دعم واسناد مثل تلك الأطروحات الضارة بالثورة والقضية السورية .
أما الرؤيا الأخرى المناقضة للواقع السوري ولاستراتيجية الثورة والحراك السياسي التي تتبناها الوسيلتان الاعلاميتان السعوديتان فهي التجاهل التام للواقع التعددي في المجتمع السوري ان كان على الصعيد القومي أو الديني – المذهبي وكذلك عدم تبني أسس وقواعد برامج وشعارات الثورة السورية في هذا المجال فعلى سبيل المثال هناك حذر شديد من اظهار الكرد السوريين مثلا كمكون وطني شريك للغالبية العربية والحيلولة دون طرح المشاركة الكردية في الثورة بل تغييب دورهم وموقعهم في الحراك الثوري مما يلحق الضرر بالوحدة الوطنية والعلاقات الكردية العربية وتتجسد تلك السياسة في تجاهل الناشطين والمثقفين والسياسيين الكرد وعدم دعوتهم الى البرامج الحوارية في الفضائية وكذلك اسقاطهم من المقابلات الصحافية وكثيرا ماتم اشعار الادارات المعنية بذلك ولكن من دون جدوى وقد ردد البعض من المقربين الى تلك الادارات بأن هناك موظفون سورييون أو مسؤولوا برامج في الوسيلتين الاعلاميتين مسؤولون عن هذا التقصير ولكن لايبدو الأمر كذلك بل أبعد من الأخطاء الفردية واقرب الى الموقف السياسي المدروس في أعلى المستويات كما يعتقد والمستقبل كفيل بتأكيد هذا الاعتقاد .
بالرغم من المآخذ الكثيرة على قناة – الجزيرة – القطرية المهتمة بالقضية السورية والمواكبة الأنشط بتطوراتها الا أنها أكثر انفتاحا وديموقراطية وأشمل استيعابا للواقع السوري وأخف وطأة من شوفينية الوسيلتين الاعلاميتين السعوديتين بخصوص ابراز المشاركة الكردية المؤثرة في الثورة وتغطية النشاطات الكردية ضمن اطار الثورة والحراك الوطني عموما .