فلا حياة سياسية حقيقية في كردستان تركيا ولا تعددية حزبية تستطيع أن تمارس على الأقل دور الصقر والحمامة في لعبة السياسة والديبلوماسية لكسب المزيد من النقاط من الخصم.
والأحزاب الكردية التاريخية الأخرى هامشية ولا تأثير فعال لها.
ولذلك لا يخاف الثعلب الماكر أردوغان (هو مزيج من السلطان سليم وأتاتورك) من معارضة كردية قوية لشروطه مادام هو يتفق مع عبد الله أوجلان الزعيم الأسير لحزب العمال الكردستاني القابض بيده مقاليد الحل والربط.
أما حزب السلام والديمقراطية فقد انحصر دوره في هذه الآونة مع الأسف في أن يصبح ساعي بريد لا أكثر ولا أقل ينقل رسائل الزعيم آبو من سجنه في قنديل وأوربا وسائر الدنيا.
ولذلك فقد شكل أردوغان براحة تامة لجنة سماها لجنة الحكماء لمراقبة سير التسوية والترويج لها في المناطق الكردية.
وقد لوحظ أن كل هؤلاء “الحكماء” أو جلهم مقربون من حزب العدالة والتنمية وغير معروفين في الوسط الكردي في حين تم تغييب أسماء هامة جدا في كردستان تركيا، منهم أكاديميون مرموقون (قدري يلدرم، ايلهان قيزيلهان) وباحثون (روهات آلاكوم، محمد أمين بوزأرسلان) ومثقفون بارزون (ياشار كمال، أورهان باموك) وسياسيون مستقلون (تعج بهم كردستان وأوربا) كنا نظن أن عدداً منهم على الأقل يجب أن يدخل في تركيبة “الحكماء الأردوغانيين”.
كان من المفترض أن تتشكل هذه اللجنة عبر توافقٍ ما بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وبين حزب السلام والديمقراطية أو أن يتقدم الزعيم آبو بتسمية بعض الذين يراهم حكماء، حينها كان الأمر يبدو طبيعياً وسالكاً مساره الصحيح.
للأسف الشديد، يبدو أن القضية الكردية في تركيا (والتي أشدد على أنها ما كان يجب أن تُحتكَر لهذه الدرجة بيد حزب واحد مهما كانت سطوة هذا الحزب) تتجه نحو مأزق خطير، يتمثل في تجريد المقاتلين من السلاح بل وإخراجهم من “البلاد” دون أي ضمانات.
والذي يحزن أكثر أن الإشكال أو الخلاف انحصر في الضمانات وليس في مدى جدية أردوغان بحل القضية الركدية حلاً عادلاً تستحقه الملايين التي تعيش على أرضها التاريخية منذ آلاف السنين، أي أن الكل بات متفقاً على تجريد المقاتلين من السلاح وإخراجهم والخلاف فقط يكمن في الطريقة.
سيكرر التاريخ نفسه وسنرى أننا لسنا حتى تلاميذ نقعد في آخر الصف في مدرسة الديبلوماسية، وأننا شعب مقاتل عنيد لكننا لم نسمح للعقل أن يتحرر من قيوده ليقود العاطفة النارية التي نتمتع بها كشعب جبلي المنشأ حر الإرادة يتوق لحياة كريمة لا تقبل بالظلم.
كان على هذا الاتفاق أن يحظى برعاية أممية أو دولية من طرف بضمن التزام أردوغان بوعوده واحترامه لاتفاقه مع الزعيم الكردي.
أردوغان الذي يتصرف بصلف وغرور كبيرين ولا يشير لا من بعيد ولا من قريب إلا أي ملمح من ملامح المرحلة المقبلة.
وما لاحظناه في هذا الاتفاق أن الطرف التركي إلى الآن لم ولا يحدد ما هي الأثمان التي سيدفعها مقابل رمي السلاح، ولا يقول لنا أحد ماهي الشروط المكتوبة والمنصوص عليها، إلى الآن لم نر سوى الشروط التركية المهينة حتى لأشد المعارضين للنهج الآبوجي.
إن اختلافي مع حزب العمال الكردستاني كبيرٌ والفجوة هائلةٌ لكنني أتمنى من هذا الحزب أن يفتح المجال أخيراً لجيل الشباب الكردستاني أن يقود المرحلة.
وأتمنى منه أن يرمي مفتاح احتكار الحياة السياسية والثقفافية والاجتماعية في أي بحر قريب فربما تكون مرحلة المقاومة السلمية هي الأجدى بشرط ألا يكون هو القائد الوحيد في هذه المرحلة.