لا للاتحاد السياسي نعم للوحدة الاندماجية

محسن طاهر*

شهدت الحركة السياسية الكردية في كردستان الغربية, العديد من الانكسارات والقليل من الإنجازات خلال تاريخها, نتيجة الانقسامات المتتالية في بنيانها السياسي والتنظيمي, على مدى أكثر من نصف قرن, تعدّت تخوم المنطق والمقاييس الفكرية والسياسية والأيديولوجية, وأنتجت القلق والريبة حيال الفصائل السياسية الكوردية وقدرتها على قيادة الشعب الكوردي, نحو تحقيق أهدافه القومية والوطنية في البلاد؛ وخلقت اللامبالاة والاغتراب الجماعي بين التنظيمات السياسية, وبين الجماهير في هذا الجزء الكردستاني, كما أن أغلب التجارب الوحدوية (تحالفات, اتحادات, جبهات, وحدات اندماجية,…) بين الأحزاب الكوردية, وعلى مدى عقود باءت بالفشل, ولم تحقق الهدف المنشود (وحدة الصف) كونها لم ترتق إلى ملامسة رغبات الشعب الكوردي, وتطلعاته القومية والوطنية المرجوة؛ وأنّ الحركة السياسية الكوردية, أخفقت على الدوام في الخروج من واقع الإعلان والتنظير, إلى ساحات الفعل والعمل الميداني, وتالياً لم تفلح في ردم الهوة الكبيرة الفاصلة بينها وبين الجماهير.
 إنّ الثورة السورية المباركة, ومنذ انطلاقتها فرضت إيقاعا جديداً على معظم القوى التقليدية الكوردية, ودفعتها نحو تحقيق الذات الحزبوية الضيقة, والمحاولة وباستحياء الالتحاق بركب الحراك الشبابي الثوري, والفعاليات الاجتماعية والثقافية المستجدة, وبادرت إلى لململة صفوفها تحت راية المجلس الوطني الكوردي في 26/10/2011 الذي أضحى عنواناً عريضاً لوحدة الصف الكوردي, لكن نزعة التفرد الحزبي والهيمنة الجهوية قد قيدتا وثاقه, وأوقعتاه في مستنقع الخلافات البينية والصراعات الهامشية, وصولاً إلى لطم الذات, فواقع الحال ويؤكد على التراجع المخيف في عمل المجلس الوطني الكوردي, والشلل التام في أدائه السياسي والميداني, وصل إلى حافة السكون, والدوران حول الذات, نتيجة التركيبة غير المتجانسة بين أطرافه, علماً أن حالات الاختلاف السياسي والتنظيمي أمر في غاية الأهمية, وتعتبر من ضرورات التطور والتقدم والعمل المؤسساتي الناجح, ولكن أن يتحول هذا التنوع والتمايز في المفاهيم والرؤى إلى عامل كبح وجمود لعمل المجلس ورقيه, هذا ما لا يمكن فهمه وقبوله البتة, ويدخله ضمن خانة العطالة السياسية, وتالياً يبعده عن أداء مهامه المرحلية, وحيثيات الثورة السورية, وجدلية العلاقة بين الثالوث الداخلي والإقليمي والدولي المتشابك.

إنَّ الوضع الاستثنائي التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط, وبروز القضية الكوردية كأهم القضايا العالقة التي تنتظر حلولاً جوهرية خاصة في كردستان الشمالية والغربية, يتطلب الإسراع في تهيئة العامل الذاتي عبر إنجاز تكتلات سياسية جديدة, بعيداً عن التسلط والهيمنة وقانون القوة, وجاء تأسيس الاتحاد السياسي في 15/12/2012 استجابة سريعة لمتطلبات المرحلة, وضرورة موضوعية للحد من ظاهرة التشتت والانقسام في الحركة السياسية الكوردية, التي تناسلت واستُنسِخَتْ من ذاتها؛ والتي وصلت إلى حد التماثل وتطابق الحافر على الحافر, وعليه فأن الضرورة تقتضي سرعة تنفيذ ما أتفق عليه في هولير بين قادة أربع فصائل كوردية, كما وردت في الفقرة الرابعة من رؤيته السياسية ( الاتحاد حالة مؤقتة وسيتم بذل الجهود الممكنة للارتقاء بالاتحاد إلى الوحدة الاندماجية في اقرب وقت ممكن).

إنّ إنجاز عملية الوحدة الاندماجية والبحث عن مستلزمات وسبل النجاح (الحزب الديمقراطي الكوردستاني الموحد- سوريا)* أمسى اليوم الضرورة القصوى لا يحتمل التأخير أو التأجيل, وبات لزاماً على قادة الاتحاد السياسي الديمقراطي الكوردي اليوم, أن يسعوا حثيثاً, لتأسيس حزب جماهيري أكثر قوة وحداثة في كوردستان الغربية؛ حزب يلتزم الانضباط ويحترم القرار الجماعي, ويستمد صلابته من عزيمة الجماهير ونهج البرزاني الخالد, حزب يحترم الآخر ويقدر آرائه؛ فالجماهير الكوردية ملّت الانتظار, ونفد صبرها من قدوم المولود المنتظر (الوحدة الاندماجية) بين أطراف الاتحاد وهو أحوج من أي وقت آخر لبناء هذا الصرح القومي المنشود, كي يحتوي المتوافق والمختلف في كيان موحد وبطراز جديد.
صحيح أنّ الطريق نحو المبتغى محفوف بالأشواك والصعاب, ولكن الصحيح أيضاً, أنه بكثير من الإرادة والتصميم, وبقليل من نكران الذات, وتجاوز الأنا الحزبية الضيقة, ستتحقق الوحدة (التنظيمية) لتغدو الضمانة الأقوى لحقوق شعبنا, وبناء كيانه الفيدرالي, وصمام أمان لنسج علاقات وطنية وكوردستانية وإقليمية ودولية, ديدنها التوازن والتوافق والانسجام والاحترام المتبادل, بعيداً عن التبعية, وسياسة المحاور أو التناحر, والعمل مع جميع قوى الثورة والمعارضة الوطنية, من أجل تحقيق أهداف الثورة السورية في الحرية والكرامة, وإرساء دعائم دولة الحق والقانون, دولة تتصف بلا مركزية سياسية, تسمو وتواكب المتغيرات المتسارعة, من سياسية واقتصادية واجتماعية في المنطقة, دولة تلامس هموم الناس واحتياجاتهم الرئيسية, دولة ترتقي لطموح وتطلعات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والمواطنة الحقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
*- عضو القيادة العليا للاتحاد السياسي الديمقراطي الكوردي – سوريا  
*- اسم الحزب افتراضي ولا يخرج عن نطاق الرأي الشخصي.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…