مابني على باطل فهو فاشل

صلاح بدرالدين

  اندلعت الانتفاضة الثورية السورية كاستجابة موضوعية لحاجات الشعب السوري بغالبية مكوناته وأطيافه وتياراته السياسية الوطنية المتضررة من الاستبداد والباحثة عن الحرية والكرامة وتصدرتها الفئات العمرية الشبابية بكل عفوية ومن دون برامج وخطط جاهزة تنتظم المظاهرات الاحتجاجية وتقود حملات المواجهة السلمية ضد أجهزة السلطة وقواها الأمنية العسكرية المدججة بالسلاح ومختلف وسائل القمع والتدميرالتي تبتكرها المنظومات الأمنية الحاكمة عادة في الشرق الأوسط ولست أرى حاجة للتذكير فقط بأن الانتفاضة قامت وتوسعت من دون أية صلة بالأحزاب التقليدية السورية الموالية منها والمعارضة ! التي لم تكن في برامجها وأولوياتها التحضير لأية حركة احتجاجية ناهيكم عن الانتفاض بل أصابها الذهول رغم الحلقات المتسارعة في سلسلة ثورات الربيع في أكثر من بلد.
  في مرحلة لاحقة لم تتعدى أشهرا حصلت تطورات ثلاث اثنان منها ايجابيان كانا كفيلان بتحويل الانتفاضة السلمية الى مشروع ثورة شعبية شاملة في الجغرافيا الوطنية ومقاومة ذات شعارات وأهداف واضحة وكان التطور الأول : الاحتضان الشعبي الواسع للحراك الشبابي ودعم التنسيقيات وانضمام فئات اجتماعية وناشطي طبقات جديدة من عمال وفلاحين وأقسام من البورجوازية الوطنية ورجال أعمال تضاربت مصالحهم مع النظام جراء سطوة المافيات العائلية الحاكمة على مقاليد الاقتصاد الوطني حيث انضمت الى الفعاليات الاحتجاجية والتظاهرات وتقديم المساعدة بمختلف الأشكال بما في ذلك تغطية نفقات النشاطات المعارضة في الخارج أما الثاني فكان تسارع عملية انشقاق ضباط وأفراد من الجيش والإدارة والانحياز الى صف الشعب وإعلان ولادة الجيش السوري الحر كتشكيلات عسكرية شرعت في تنظيم قواها ومقاومة اعتداءات قوى النظام والدفاع عن سلامة الثوار ومناطقهم المحررة وبصورة وأخرى حصل نوع من الاندماج والتفاعل ووحدة الحال الى جانب التشارك في رفع الشعارات الموحدة وتبني الأهداف المشتركة بين مختلف أطراف وجماعات الانتفاضة سابقا والثورة لاحقا وحاز الجميع سوية على نوع من الشرعيتين الثورية والوطنية وبات الجيش الحر بمثابة القلب النابض في جسم الثورة وعمودها الفقري الصلب .

  التطور الثالث السلبي بدأت ملامحه بعد انقضاء عدة أشهر على الانتفاضة عندما استفاقت الجماعات التقليدية من منظمات حزبية وفئات وشخصيات (إسلامية وليبرالية وقومية وأكاديمية)  من هول الصدمة لتبحث عن مواقع لها على حساب من يدفع الثمن بالتضحيات بالأرواح والمال والمسكن وبذلت جهودها وفي أكثر الأحيان بدفع وتشجيع من أوساط النظام وأطراف خارجية لحساباتها وأجندتها الخاصة مستغلة بصورة بشعة حاجة الداخل الثوري الى الدعم المالي والعسكري وكذلك وهو الأهم الى الغطاء السياسي للتواصل مع العالم وطرح عدالة القضية السورية وتتالت الإعلانات عن مسميات عديدة (هيئة التنسيق – المجلس الوطني السوري – مجلس غربي كردستان – المجلس الوطني الكردي – المنبر الديموقراطي – الائتلاف الوطني – اتحاد الديموقراطيين – وأسماء أخرى) ولم تقم أية جهة منها على أساس ديموقراطي أو بتخويل من الشعب أو بتمثيل شرعي وخلافا لكل المبادئ والأعراف السياسية والوقائع لم يخف أي طرف من هؤلاء ادعاء التمثيل الشرعي للشعب والنطق باسمه وهو من الناحية العملية مزاحمة قوى الثورة الحقيقية على شرعيتها المكتسبة من الموقف السياسي والالتزام بأهداف الشعب أولا والتضحيات الجسام على أرض الميدان بل ذهبت هذه الجماعات أبعد من ذلك بمحاولة التسلل والسيطرة والتسلط على المقدرات بقوة السلاح وأحيانا بالاستقواء بأجهزة السلطة الحاكمة واستغلال مساعدات الدول المانحة الآتية من خلالها في فرض آيدولوجيتها الحزبية وتوسيع نفوذها الى درجة العمل على اخضاع تشكيلات وضباط أحرار عبر الابتزاز مما كان ذلك سببا أساسيا في افساد البعض وبث الفرقة والانقسام بين صفوف الجيش الحر وابعاد آخرين وتحييدهم وحرمان الثورة من طاقاتهم وخبراتهم بل اخماد جذوة الحماس الثوري لدى البعض الآخر وكان ذلك تمهيدا لجلب وابراز جماعات ترفع الشعارات الإسلامية وتعزيز قواها التسليحية والتموينية لتحل محل القوى الثورية الشرعية وبات واضحا أمر مشاركة أكثر من جهة في تنفيذ هذا المخطط بينها النظامان السوري والإيراني وحكومة المالكي وكل أعداء الشعب السوري .

 إزاء ذلك نردد القول المأثور : لايصح الا الصحيح وقد سقطت أقنعة – المعارضات – المتسللة الى تخوم الثورة وليس الى قلبها ولاشرعية فوق شرعية قوى الثورة المؤمنة قولا وعملا بشعار اسقاط النظام وتفكيك سلطته الاستبدادية وإعادة بناء سوريا الجديدة والسورييون مازالوا يراهنون على ارادتهم في التغيير وعلى ثوارهم ووطنييهم الصادقين على طريق إعادة النظر في الوضعين السياسي والميداني الراهنين  وتجديد وسائل النضال الى حدود القيام بثورة على (الثورة) اذا اقتضت الحاجة .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…