فرمـان صالح بونجـق
ضد الثورة ، أو مضاد للثورة ، يعني محاولة خلق النقيض للثورة ، وتكمن الغاية من هذا الخلق ، إما إجهاض الثورة وإفراغها من محتواها الإنساني ، أو محاولة السيطرة عليها وسرقتها والاستئثار بها عنوةً .
وهذا الفعل يتخذ شكلين اثنين لا ثالث لهما ، فإما ألاّ يكون لهذا الفعل أي تماس مع الفعل الثوري الحقيقي ، وبالتالي يعرّف بأنه ضد الثورة ، وإما أن يكون لهذا الفعل شكل من أشكال التماس مع الفعل الثوري ، كأن ينمو هذا الضد في حضن الثورة ، ويعرّف آنئذ بالثورة المضادة ، أو الثورة المضادة للثورة .
وفي كلتا الحالتين تبرز إشكالية إعادة تقييم الثورة ، ومحاولة فهم هذا التضاد ، من حيث خصائص وتوجهات وأجندات كل من الفعلين الموسومين بالفعل الثوري .
وهذا الفعل يتخذ شكلين اثنين لا ثالث لهما ، فإما ألاّ يكون لهذا الفعل أي تماس مع الفعل الثوري الحقيقي ، وبالتالي يعرّف بأنه ضد الثورة ، وإما أن يكون لهذا الفعل شكل من أشكال التماس مع الفعل الثوري ، كأن ينمو هذا الضد في حضن الثورة ، ويعرّف آنئذ بالثورة المضادة ، أو الثورة المضادة للثورة .
وفي كلتا الحالتين تبرز إشكالية إعادة تقييم الثورة ، ومحاولة فهم هذا التضاد ، من حيث خصائص وتوجهات وأجندات كل من الفعلين الموسومين بالفعل الثوري .
وينبغي ألاّ تغيب عن الذهن مسألة التحام الجماهير بأي من الفعلين ، كون هذه الجماهير هي المحرك الأساسي للثورة ، وهي صاحبة المصلحة الحقيقية ، وهي دافع الضريبة الأكبر من المعاناة خلال المساحة الزمنية التي تسبق الثورة ، ناهيك عن التضحيات التي تقدمها الجماهير إبان الثورة .
إذ لا يمكن تجاوز هذه الجماهير بأي حال من الأحوال .
لا زلتُ مصرّاً على أن مقدمات أو إرهاصات “ثورات الربيع العربي” لم تبدأ من حادثة البوعزيزي في سيدي بو زيد التونسية ، على الرغم من أهمية هذه الحادثة ومثيلاتها ، أو المشابهة لها والتي وقعت هنا وهناك ، كحادثة خالد سعيد التي وقعت في القاهرة .
ولكن المسألة أعمق بكثير من هذا التصور الساذج ، والذي تم الترويج له ” أي لهذا التصور” بعناية .
وتم التعتيم ـ وكالعادة ـ على كافة أشكال الرفض التي أنتجت انتفاضات على شكل ثورات في مناطق شتى من هذا المحيط العربي الكارثي .
ففي جنوب السودان ، قاد الجنرال جون غرنغ ، ثورة مسلحة امتدت لنصف قرن ، وتكللت مساعي شعب جنوب السودان بإنجاز دولته المستقلة على ترابه وأرضه التاريخية ، وفي كوردستان العراق امتدت ثورة البارزانيين لأكثر من نصف قرن ، وأيضا تكللت تضحيات هذا الشعب بإنجاز الفيدرالية كشكل من أشكال الاستحقاق التاريخي لحقوق الكورد على أرضهم التاريخية ، وليس ببعيد عن هذين النموذجين ، لازال شعب الأمازيغ يقود ثورته الهادئة ، وباحترافية ، من أجل تحقيق بسط سيطرته على حريته وكرامته ، من خلال الاستحواذ على شكل من أشكال الاستقلالية .
وفي مطلع شهر آذار من العام 2004 أطلق الكورد في سوريا ما يشبه “الانتفاضة الثورة” ، رداً على التراكمات الهائلة من الاضطهاد القومي الذي مارسته سلطات البعث الشوفيني على أبناء الشعب الكوردي ، حيث تم تحرير المناطق الكوردية لعدة أيام من قبضة السلطة الفولاذية ، ولم يجد الكورد آنذاك نصيرا ، حتى قُمعت هذه الانتفاضة بقسوة لا مثيل لها .
كل هذا كان يحدث في الوقت الذي كانت الشعوب العربية تعيش في حالة استرخاء تام ، بينما كان الآخرون من غير العرب يدفعون الأثمان الباهظة من دمائهم في سبيل انتزاع القليل القليل من الحرية والكرامة الإنسانية .
من هنا يمكن القول : أن مقدمات ثورات الربيع العربي لم تكن نتاج حوادث فردية وقعت هنا وهناك ، وإنما كانت نتاج نضالات شعوب غير عربية متآخية مع الشعوب العربية ، ومتفاعلة معها ، وبصيغة أحادية الجانب ، إذا صح القول ، حين كانت هذه الشعوب تعاني من القهر والسحل والغبن والتجويع والإفقار والتهجير ، في ظل أنظمة عروبية ، لم تُقِم أية اعتبارات للقيم الإنسانية .
وتأسيساً على ما تقدم ، يمكن استنباط المدخل المناسب للبحث في ماهية دور الثوار الكورد وانخراطهم في أعمال الثورة السورية ، وكجزء أصيل وفاعل في هذه الثورة ، خصوصاً فيما يتعلق بالأشهر الستة الأولى قبيل عسكرة الثورة .
ارتكز الفعل الثوري في المناطق الكوردية على فكرة تحريك الزخم الجماهيري السلمي ، واستثمار المشاعر القومية العفوية لدى معظم الشرائح ، دون اللجوء إلى بناء هيكلية تنظيمية متماسكة من شأنها توفير القاعدة الشعبية ذي الصبغة التلاحمية مع القيادات الفتية التي أدارت دفة الاحتجاجات والتظاهرات خلال تلك المرحلة المبكرة من عمر الثورة .
مما أصبغ على هذا الحراك الهشاشة والرعونة أحيانا ، وكان هذا أحد أهم أسباب اختراق الثورة من قبل بعض التيارات السياسية الكوردية الأكثر تنظيما ، ومن هنا بدأت فعليا مرحلة الثورة المضادة ، وما هو ضد الثورة أيضا .
بالاستناد إلى تجربة انتفاضة الشعب الكوردي في سوريا 2004 ، لم يكن متوقعا ، ولم يكن مفهوما أو منطقيا ، أن ينجرف جزء من الكورد إلى الوقوف بالضد من تطلعات الشعوب السورية ، وعلى وجه الخصوص تطلعات أبناء الشعب الكوردي ، الذي سعى بجدية لإنضاج الظرفين الذاتي والموضوعي ــ عبر النخب الثقافية والسياسية ــ من أجل انتزاع الحقوق المشروعة التي طالما حرمته السلطات المتعاقبة خلال نصف قرن من مجرد التفكير فيها .
إن هذا الانجراف ألحق أشد الضرر بالثورة السورية ، وألحق أشد الضرر بتطلعات الكورد الذين واتتهم الفرصة الذهبية لانتزاع حقوقهم القومية والوطنية من نظام الاستبداد ، مما ساهم بإعادة القضية الكوردية إلى المربع الأول .
ومهّد لتصفية القضية الكوردية في سوريا بواسطة إعادة تفعيل بعض الشعارات القومية ، واستنباط بعض المفاهيم والمسميات الهزيلة التي لا شأن لها بالواقع ، تنظيرا أو تطبيقا .
إذ لا يمكن تجاوز هذه الجماهير بأي حال من الأحوال .
لا زلتُ مصرّاً على أن مقدمات أو إرهاصات “ثورات الربيع العربي” لم تبدأ من حادثة البوعزيزي في سيدي بو زيد التونسية ، على الرغم من أهمية هذه الحادثة ومثيلاتها ، أو المشابهة لها والتي وقعت هنا وهناك ، كحادثة خالد سعيد التي وقعت في القاهرة .
ولكن المسألة أعمق بكثير من هذا التصور الساذج ، والذي تم الترويج له ” أي لهذا التصور” بعناية .
وتم التعتيم ـ وكالعادة ـ على كافة أشكال الرفض التي أنتجت انتفاضات على شكل ثورات في مناطق شتى من هذا المحيط العربي الكارثي .
ففي جنوب السودان ، قاد الجنرال جون غرنغ ، ثورة مسلحة امتدت لنصف قرن ، وتكللت مساعي شعب جنوب السودان بإنجاز دولته المستقلة على ترابه وأرضه التاريخية ، وفي كوردستان العراق امتدت ثورة البارزانيين لأكثر من نصف قرن ، وأيضا تكللت تضحيات هذا الشعب بإنجاز الفيدرالية كشكل من أشكال الاستحقاق التاريخي لحقوق الكورد على أرضهم التاريخية ، وليس ببعيد عن هذين النموذجين ، لازال شعب الأمازيغ يقود ثورته الهادئة ، وباحترافية ، من أجل تحقيق بسط سيطرته على حريته وكرامته ، من خلال الاستحواذ على شكل من أشكال الاستقلالية .
وفي مطلع شهر آذار من العام 2004 أطلق الكورد في سوريا ما يشبه “الانتفاضة الثورة” ، رداً على التراكمات الهائلة من الاضطهاد القومي الذي مارسته سلطات البعث الشوفيني على أبناء الشعب الكوردي ، حيث تم تحرير المناطق الكوردية لعدة أيام من قبضة السلطة الفولاذية ، ولم يجد الكورد آنذاك نصيرا ، حتى قُمعت هذه الانتفاضة بقسوة لا مثيل لها .
كل هذا كان يحدث في الوقت الذي كانت الشعوب العربية تعيش في حالة استرخاء تام ، بينما كان الآخرون من غير العرب يدفعون الأثمان الباهظة من دمائهم في سبيل انتزاع القليل القليل من الحرية والكرامة الإنسانية .
من هنا يمكن القول : أن مقدمات ثورات الربيع العربي لم تكن نتاج حوادث فردية وقعت هنا وهناك ، وإنما كانت نتاج نضالات شعوب غير عربية متآخية مع الشعوب العربية ، ومتفاعلة معها ، وبصيغة أحادية الجانب ، إذا صح القول ، حين كانت هذه الشعوب تعاني من القهر والسحل والغبن والتجويع والإفقار والتهجير ، في ظل أنظمة عروبية ، لم تُقِم أية اعتبارات للقيم الإنسانية .
وتأسيساً على ما تقدم ، يمكن استنباط المدخل المناسب للبحث في ماهية دور الثوار الكورد وانخراطهم في أعمال الثورة السورية ، وكجزء أصيل وفاعل في هذه الثورة ، خصوصاً فيما يتعلق بالأشهر الستة الأولى قبيل عسكرة الثورة .
ارتكز الفعل الثوري في المناطق الكوردية على فكرة تحريك الزخم الجماهيري السلمي ، واستثمار المشاعر القومية العفوية لدى معظم الشرائح ، دون اللجوء إلى بناء هيكلية تنظيمية متماسكة من شأنها توفير القاعدة الشعبية ذي الصبغة التلاحمية مع القيادات الفتية التي أدارت دفة الاحتجاجات والتظاهرات خلال تلك المرحلة المبكرة من عمر الثورة .
مما أصبغ على هذا الحراك الهشاشة والرعونة أحيانا ، وكان هذا أحد أهم أسباب اختراق الثورة من قبل بعض التيارات السياسية الكوردية الأكثر تنظيما ، ومن هنا بدأت فعليا مرحلة الثورة المضادة ، وما هو ضد الثورة أيضا .
بالاستناد إلى تجربة انتفاضة الشعب الكوردي في سوريا 2004 ، لم يكن متوقعا ، ولم يكن مفهوما أو منطقيا ، أن ينجرف جزء من الكورد إلى الوقوف بالضد من تطلعات الشعوب السورية ، وعلى وجه الخصوص تطلعات أبناء الشعب الكوردي ، الذي سعى بجدية لإنضاج الظرفين الذاتي والموضوعي ــ عبر النخب الثقافية والسياسية ــ من أجل انتزاع الحقوق المشروعة التي طالما حرمته السلطات المتعاقبة خلال نصف قرن من مجرد التفكير فيها .
إن هذا الانجراف ألحق أشد الضرر بالثورة السورية ، وألحق أشد الضرر بتطلعات الكورد الذين واتتهم الفرصة الذهبية لانتزاع حقوقهم القومية والوطنية من نظام الاستبداد ، مما ساهم بإعادة القضية الكوردية إلى المربع الأول .
ومهّد لتصفية القضية الكوردية في سوريا بواسطة إعادة تفعيل بعض الشعارات القومية ، واستنباط بعض المفاهيم والمسميات الهزيلة التي لا شأن لها بالواقع ، تنظيرا أو تطبيقا .