أوباما… الرئيس الذي لا يهابه أحد

عدنان بدرالدين

هكذا وصفت – روت ماركوس – ، محررة الشوون الداخلية في الواشنطن بوست ، والحائزة على جائزة پوليتزر للصحافة الرئيس الأمريكي في مقالة كتبتها قبل عدة أيام بعد أن استعرضت بإسهاب سجل أول ، والأرجح أنه سيكون آخر ، رئيس أمريكي من أصل أفريقي ، وخاصة إخفاقاته المريعة في مجال السياسة الخارجية بما في ذلك طبعا موقفه المخزي من المعضلة السورية بسبب إفتقاره إلى الحزم ، وهروبه المستمر من تحمل المسؤولية في الظروف العصيبة ، وهو ما أدى إلى تدهور كبير في سمعة الولايات المتحدة ، وإلى تراجع كبير في نفوذها في إحدى أهم مناطق العالم من منظور المصالح القومية الأمريكية
 مما ينعكس سلبا على علاقاتها مع حلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم طبعا كل من السعوديه وتركيا ، وحتى إسرائيل التي لم تعد تخفي توجسها من تدهور مكانة “أمريكا الأوبامية” عالميا ، حتى أن قادتها صرحوا مؤخرا أكثر من مرة على أنه يتوجب على الدولة العبرية بعد الآن “التكفل بتحمل مسؤولية الدفاع عن النفس بإمكاناتها الذاتية” ، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية إلى توجيه رسائل إطمئنان إلى حليفها الأقرب في الشرق الأوسط عبر سفيرها في تل أبيب الذي صرح بأن “التراجع الأمريكي في توجيه ضربة إلى نظام الأسد على خلفية إستخدامه للأسلحة الكيمائية بالقرب من دمشق لا يعني بأية حال انتهاج السلوك ذاته مع الملف النووي الأيراني”.

بات من المسلم به الآن لدى أوساط واسعة من النخب السياسية والثقافية في الولايات المتحدة أن أوباما هو أضعف رئيس عرفته البلاد منذ تأسيسها ، فالرجل “نجح” خلال السنوات الخمس من فترة حكمه ، وخاصة الأخيرة منها ، في تحويل أمريكا من “زعيمة العالم” إلى مجرد لاعب هامشي في لعبة الأمم التي يبدو واضحا أنه لا يتقنها البتة.

من كان يتصور أن تسمح أمريكا لرجل مثل فلاديمير پوتين ، وهو الذي يحكم عملاقا استهلاكيا بامتياز بأسلوب زعيم المافيا أن يتحول إلى ناصح للولايات المتحدة وإلى العامل الأقوى في تقرير مخارج الأزمة السورية بجرأة غير معهودة تلامس الوقاحة؟ هل كان ممكنا قبل أعوام أن تتجرأ موسكو على إيواء رجل مثل- سنودن- قام بتسريب كمية هائلة من المعلومات الحساسة التي تمس مباشرة الأمن القومي الأمريكي وعلاقات واشنطن بحلفائها في العالم؟ هل حدث ، ولو مرة واحدة عبر كل تاريخ أمريكا ،أن تجاهل رئيس أمريكي “الخطوط الحمراء” التي رسمها هو بنفسه؟ تساؤلات سنترك أمر التعليق عليها لحصافة القارئ الكريم.

إخفاق على طول الخط

جاء الرئيس أوباما إلى السلطة باعتباره نقيض – جورج بوش الابن- الذي نجحت الأوساط المحسوبة على معسكر اليسار في أمريكا وأوربا في تقديمة ك “شر مطلق” يجب التخلص منه بأي شكل.

أوباما وجماعته من “مناهضي الحروب الإستباقية” رأوا في التدخل الأمريكي في العراق عملا طائشا نفذ ب”حجج واهية” مستندين إلى عدم تمكن الخبراء الدوليين من الكشف  عن أسلحة الدمار الشامل التي شنت واشنطن الحرب على صدام بدعوى حيازته لها.

الغريب أن أحدا لم يتذكر أن صدام كان بالفعل قد استخدم السلاح الكيمائي قبل عدة سنوات فقط ضد السكان المدنيين الكرد في حلبجة وأيضا ضد خصومه الإيرانيين أثناء الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات.

وقد سارع الرئيس “المسالم” إلى سحب القوات الأمريكية من العراق على وجه السرعة خلافا لرغبة أكثرية العراقيين الذين أبدوا تخوفهم من أن انسحاب الأمريكيين المبكر سيدفع بالبلاد إلى أحضان إيران وسيزيد من حالة الاستقطاب الطائفي وعدم الاستقرار ، وهو ما حدث فعلا.

فكان ذلك أول هزيمة واضحة للأمريكان في المنطقة ، وأول انتصار فعلي لإيران وحلفائها بحيث باتوا بعد ذلك مطمئنين تماما إلى أن كل سياساتهم الاستفزازية ستظل دون رادع.

الأمر في أفغانستان لم يختلف كثيرا ، فقد أدى تردد أوباما إلى صعود حركة طالبان بعد أن كانت همشت بشكل شبه كلي في فترة الإدارة الأمريكية السابقة.
لكن تخبط إدارة أوباما توضح بأجلى صوره من خلال موقفه المتردد والفاقد لأية رؤية إستراتيجية من ثورات “الربيع العربي” التي فاجأته تماما.

ففي مصر على سبيل المثال لا الحصر ظل “الرئيس الديمقراطي” طويلا مترددا بين مستلزمات دعم الثورة الشعبية أو الإبقاء على دعم – مبارك – كحليف موثوق قبل أن يتحول بشكل مفاجئ إلى دعم جماعة الإخوان المسلمين التي امتطت موجة الثورة المناهضة للديكتاتورية من أجل مصالحها الحزبية التي ليست لها أية علاقة بطموحات الجماهير العريضة التي فجرت الثورة أو بالقيم الأمريكية في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والشعوب، وأستطاع أوباما بجدارة يحسد عليها من أن يخسر تقريبا مصر تماما عندما انحاز إلى الإنقلاب الأخير الذي قام به العسكر ، إذ أنه ورغم تنديده بالطريقة التي تم بها ، إلا أنه إمتنع عن تسمية الإنقلاب بإسمه الحقيقي إبقاء للدعم الأمريكي للجيش المصري بناء على رغبة إسرائيل ، وبهذا خسر الإخوان الذين باتوا يتهمونه الآن بممالأة العسكر ، وخسر الكثير من ثقة العسكر الذين يقولون أنه يوالي الإخوان ، والأهم من ذلك أنه خسر دعم قوى الثورة الحقيقية التي وجدت نسفها مخذولة من رئيس يقول الشيئ ويفعل عكسه.
في الأزمة السورية خذل أوباما كل حلفائه.

خذل الخليجيين الذين فعلوا الكثير لمساعدته للخروج من مأزق “خطوطه الحمراء” التي كان قد حشر نفسه فيها طواعية قبل عام.

مصادر غربية عديدة أكدت أن الدول الخليجية بزعامة السعودية أبدت إستعدادها لتحمل الجزء الأكبر من نفقات الضربة ضد نظام الأسد ، لكنها فوجئت ، كما العالم كله بمن فيهم أشخاص مقربون منه للغاية مثل مستشارة الأمن القومي- سوزان رايس- ووزير الدفاع – تشاك هاغل- بتراجعه الغير المتوقع في اللحظة الأخيرة، كما أنه خذل الفرنسيين مرتين ، مرة بتخليه عن توجيه ضربة عسكرية إلى نظام الأسد بعد كانت محل إتفاق تام بين الطرفين ، والثانية بالموافقة على العرض الروسي الأخير بمقايضة بقاء الأسد في السلطة مقابل تخليه عن أسلحته الكيمائية وعقد إتفاق ثنائي مع نظام بوتين من وراء ظهر باريس.

من جملة الساخطين على سلوك الرئيس الأمريكي رئيس الوزراء التركي الذي أعلن وزير خارجيته أن بلاده ستشارك في الضربة ضد نظام الأسد حتى بدون موافقة مجلس الأمن الدولي ، وقادة الأردن ورئاسة كردستان العراق.

لكن الشعب السوري بأغلبيته الساحقة يظل المتضرر الأكبر من سياسات أمريكا المتذبذبة تحت قيادة أوباما.

ولاشك أن الإتفاق الأمريكي الروسي الأمريكي الأخير الذي يلخص المعضلة السورية في قضية الكيميائي ، والبدء في مغازلة النظام الإيراني من “أجل حثه على المساهمة في إيجاد حل للأزمة السوريه” تعد في نظر الشعب السوري طعنة أخرى في ظهر ثورته من حيث أنه يعتبر إيران ومن وراءها دميتها الطائفية حزب الله هما جزء من المشكلة وليس الحل.

أي مستقبل ينتظر أوباما؟

هو مستقبل غير واضح المعالم على أية حال.

أمام أوباما الآن طريقان لاثالث لهما: إما أن يتخلى ودون مماطلة عن نهجه المتردد والفاقد للحزم بطريقة لا تليق بدولة لا تزال ، رغم كل شيء ، تعتبر القوة الأكبر في العالم اقتصاديا وعسكريا وعلميا ، ناهيك عن تأثيرها الثقافي الهائل الذي لا يجاريه أي تأثير آخر على جميع مناطق العالم ، والبدء في اتخاذ خطوات سريعة وعملية من أجل إعادة الهيبة المفقودة، وإما أن يواجه بمعارضة شديدة ، بما في ذلك داخل حزبه ،  قد تؤدي في النهاية إلى تقليص دوره في إتخاذ القرارت المهمة لصالح نائب الرئيس – جو بايدن – ، مع منح صلاحيات أوسع لوزارة الخارجية والدفاع ، واللجان المختصة في الكونغرس من أجل تلافي المزيد من تقزيم الدور الأمريكي ، ولن أفاجأ أبدا إذا تم تحييد الرئيس ، بطريقة ما ، ربما بدعوى عدم الكفاءة ، وهي على ما أعتقد ، حجة لها ما يبررها تماما.
 

عدنان بدرالدين – النرويج

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…