حال كرد سوريا وفنجان البصارة

نذير عجو

سؤلت البصارة عن حال الكرد في كوردستان سوريا ، فاستغفرت ربها وقالت ، ياولدي ، الكرد لايحتاجون إلى فنجان التبصير ، فمستقبلهم هي نسخة عن ماضي متشابه ومتكرر الإخفاقات ، ففي كل فرصة سانحة للإنعتاق ، تخلق حالة مضادة تكبح أو تميت كل المشاريع والخطط الممكنة للتحرر ، وتشتت هذه الحالة المضادة القوى وتخلط الأوراق وتحبط الهمم وتعيد الأحوال إلى أسوأ على ماكانت عليها ، وما الواقع السياسي الكردي في كردستان سوريا إلا إعادة للواقع السياسي الكردي في كردستان تركيا في ثمانينيات القرن الماضي ،
 حيث القوة التي فرضت نفسها وتحكمت على أهلها بقوة السلاح ، وقضت على الواقع السياسي الكردي هناك وصولاً إلى حالة تجميد وتحنيط للحركة السياسية الكردية أمام رفض وتهديد وترهيب تلك القوة لوجود الآخر المختلف وفرض الذات والإستعلاء والتفرد بمنطق القوة والسلاح تحت شعارات إستلهامية وعاطفية ورغباتية متهورة وغير مدروسة العواقب وصولاً إلى عمليات غير محسوبة النتائج وذات كلفة عالية الثمن مادياً وبشرياً ، فكان ماكان في كردستان تركيا من تهور تسبب وكلف حرق الآلاف من القرى الكردية على يد مغتصبي الحقوق اعداء الكرد ،  إضافة إلى العدد الهائل من الضحايا (عشرات الآلاف من القتلى ) ودون أن ننسى الملايين من الكرد المشردين من مدنهم وقراهم نحو بقاع المدن والبلدات التركية البعيدة هروباً مما خلفه واقع الحال المميت آنذاك وبحثاً عن حياة آمنة بعيدة عن الترهيب والتهديد والموت ومهما كانت صعوبات التشرد بعيداً عن أرض الآباء والأجداد ، لتصل الإمور في الوقت الحالي بتلك القوة التي إستفردت بالقرار والمصير الكردي وبالنضال والكفاح الشعاراتي التهويلي آنذاك والذي تمثل بتحرير كردستان الكبرى  إلى المطالب بالتعايش الأخوي مع أخ غير شرعي لعدم إعترافه بالإخوة وإن إعترف فهي  من زاوية التبعية أو منطق السيد والعبد.

وتابعت البصارة لتقول ، ياولدي إن حال الكرد في سوريا على مايبدو في الفنجان بأنه نسخة ثمانينيات القرن الماضي وصولاً للآن ، أي سوف يقضي واقع الإستبداد والتفرد بالقوة والرافض للآخر وما تحمله هذه القوة من أفكار متناقضة  وأحادية الجانب وشعارات إستلهامية وعاطفية مكررة ومستهلكة وغير مدروسة العواقب والواضحة النتائج ، هذا الواقع التفردي سوف يضعف أو يقضي على مسيرة النضال السياسي للحركة الكردية في كردستان سوريا بسبب التهديد والترهيب والإعتداءات المتكررة ، وصولاً لحال الحركة السياسية لشقيقتها في كردستان تركيا سابقاً وهذا الإستفراد سيكون سبباً في ترهيب وتخويف وتجويع المعارضين وسوف تتفرد وتتحكم هذه القوة المتسلطة بالقرارات المصيرية وتفتح صراعات إنفرادية مع الأطراف الرافضة والمعادية للحقوق المشروعة للشعب الكردي في سوريا ، وتتبادل الصراعات والهجمات وسيسود الموت في المناطق الكردية فتغزى القرى وتكثر الضحايا ويشرد الكرد من مناطقهم وتفرغ المدن والبلدات الكردية من أهلها ، وهنا سوف تنهار القوة الإنفرادية بسبب ضياعهم للقاعدة الجماهيرية الحقيقية الهاربة من إستبدادهم وسوف تنهزم هذه القوة أمام مغتصبي الحقوق أعداء الكرد لتتحول شعارات تلك القوة المتهورة السابقة أمام إنهزامها من تلك الشعارات لإلهامية العالية الوتيرة إلى مطالب بالتعايش الأخوي للأخ الغير شرعي لعدم إعترافه بوجود الآخر الكردي إلا بمنطق السيد والعبد وسيعاد الواقع الكردي إلى أسوأ ماكانت عليه .
وهنا ختمت البصارة قولها ، ياولدي ، ما ندائي للكردي الذي لايقرآ التاريخ البعيد ، بأن يقرأ التاريخ القريب منه لكي لا تتكرر خيبة وتجربة كردستان تركيا ولكي لا تفلت فرصة التحرر السانحة وذلك بأن يرفض الكردي الفكر الأحادي ومنطق فرض القوة كحالة أمر واقع على أخيه الكردي، وأن يؤمن الكردي بأن قوة الكرد للتحرر هو بالتكاتف وأنه لابديل للحياة الحرة الأبية عن الديمقراطية المؤمنة بوجود الآخر وبالنضالات السياسية المتحالفة إضافة للنضالات العسكرية في أوقاتها المناسبة ، وأن الإيمان بوجود شعب ماهو إلا الإيمان بالإختلافات داخل ذلك الشعب وليس سيطرة اللون الواحد أو الحزب الواحد أو  القائد الواحد الأوحد والأفهم والأجدر ، وما شروط الإنتصار إلا الإلتفات لحل الإشكالات دون فرض الأجندات والأيدولوجيات بالقوة وممارسة الإستبداد تحت شعارات كبيرة وبمبررات الحماية أو المقاومة أو الممانعة أو ….

والإبتعاد عن الإستفراد والإتهامات الملفقة تبريراً لأعمال إستبدادية وترهيبية وصولاً لأعمال تهديد وقتل .
ثم كسرت البصارة الفنجان وقالت ياولدي لاتؤمن بما قلته لك ، وآمن بالمسببات والنتائج ، فالحضارة الإنسانية كشفت زيف التبصير أمام حركة الشعوب الدراسات والبحوث العلمية والعملية في قراءة النتائج من خلال الوقائع في الحكم  على الحاضر والمستقبل ، وأكدت الحضارة عدم إيمانها بالتبصير وأن قوة الشعوب وإرادتها وعزمها وعقلها مجتمعة هي الكفيلة بتغير الأحوال نحو المأمول الأفضل ، وما حرية الشعوب ومنهم الكرد إلا بالتكاتف والإيمان بالآخر بحدود توافق الأهداف ومن ثم التوافق مع الشعوب الأخرى في حدود الإقرار والإعتراف المتبادل بوجود الآخر ضمن مبادئ القيم الإنسانية المؤمنه بالحقوق المشروعة للكل .

 وأخيراً ياولدي لا يصح إلا الصحيح وأن الشعب الكردي الحي لا بد وأن يأتي يوم ويستفيد من ماضيه  وأن لايكرر إخفاقاته وأن ينبذ كل حالات التفرد والإستبداد ويصحى لحاله من الظُلام والمغتصبين للحقوق الإنسانية العادلة ليصل إلى حقوقه إسوة بكل الشعوب المتحررة .

   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…