الكثير من الشعوب التي تكافح من أجل الحرية منذ عقود وقرون لم تكن لها أوضاع دولتية سياسية بالسابق لأن الدولة مفهوم عصري ولكن ذلك لايشكل شرطا لحرمانها من طموحاتها المسشروعة في الحرية وحسب مخيلة البعض في تعريفاتهم العشوائية يجب حرمان الفلسطيين أيضا من حلمهم المشروع في اقامة دولتهم الوطنية .
واذا كانت سوريا حسب قول البعض ليست دولة تاريخية فرضت حدودها حديثا بموجب اتفاقية دولية ” فلماذا لانقوم نحن السوريين باعادة بنائها من جديد على أسس وطنية مشروعة وبمشاركة كل مكوناتها في السلطة والقرار ؟
نعم هناك العديد من الشعوب في منطقتنا والعالم لاتتوفر فيها جميع شروط الشعب والقومية التي حددتها المدارس الفكريةالماركسية والرأسمالية مازالت في طور التكوين والتشكل وهذا أمر طبيعي وموضوعي وهذا لايمنعها ولايحرمها من حق تقرير المصير عندما تكتمل الشروط الذاتية والموضوعية ألم تتشكل الأمم الأوروبية من جديد في نهاية الحربين العالميتين وأخرى في نهاية الحرب الباردة بدول أوروبا الشرقية ؟ أليس سوريا الجديدة القادمة أهلا لاعادة تشكل مكوناتها الأصلية والأصيلة من جديد عبر عملية ديموقراطية توافقية ؟ .
اذا كان هناك من يقول أن الكرد لم يتمتعوا في الماضي بكيان سياسي أو دولة كدليل على عدم تمتعهم بصفة الشعب وبحق تقرير المصير فانه وحتى بداية القرن التاسع عشر لم تكن الشعوب أو الأمم أو الأقوام العربية وغيرهما موجودة ككيان موحد بحسب المواصفات والشروط المطلوبة حديثا بل أنها رسمت جغرافيا كدول – أمم كما نعرفها اليوم على أنقاض الامبراطورية العثمانية باشراف وهندسة الدولتين العظميين آنذاك : بريطانيا وفرنسا والفرق أن الكرد لم يحظوا بعطف ورعاية دولة صاحبة الجلالة بريطانيا العظمى التي لم تغب عن مستعمراتها الشمس .
وهنا وأمام اطلاق الصرخات الهيستيرية وذرف دموع التماسيح على وحدة سوريا وانكار وجود شعب كردي سوري واعتبار قضيته لاتاريخية ولامشروعة واعتبار مواجهة الخطر الكردي كمهمة أساسية تسبق أولوية اسقاط نظام الاستبداد نتذكر أقوالا كانت ترددها – غولدا مائير – رئيسة الحكومة الاسرائيلية مرارا وتكرارا من أنها ” لم تعرف يوما بوجود شعب فلسطين ” .
يزعم بعض الحريصين جدا على وحدة سوريا أن ” عصر القوميات قد ولى ” أي بطريقة غير مباشرة فان مبدأ حق تقرير مصير الشعوب لم يعد له معنى في حين أن معظم علماء السياسة والاجتماع والباحثين والمختصين بالمسائل القومية يجزمون أن المرحلة الراهنة من التطور البشري وخاصة في بلدان الشرق هي البيئة الأكثر مؤاتية لاعادة الاعتبار للهويات والمكونات وتأكيد ذاتها والخلاص عبر ثورات الحرية والكرامة من صنوف الانكار والتجاهل والاضطهاد والاقصاء .
ان انشغال كل من ( مجلس الأحزاب الكردية والائتلاف ) وكذلك جماعات ( ب ك ك ) بمسائل ليست من صلب مهامها ولاتدخل في صلاحياتها هو ضرب من الهروب الى أمام فالأول عبارة عن مجموعات حزبية عاجزة وفاشلة غير مخولة من الشعب الكردي لتقرير مصيره وبالوقت ذاته ليست جزءا من الثورة السورية على الأقل في مستوى القيادات والخط السياسي والممارسة العملية وملتزمة بقرارات مؤتمرها التأسيسي في اتخاذ جانب الحياد بين الثورة والنظام وما محاولات تقربها من الائتلاف بعد ثلاثة أعوام من عمر الثورة الا نوع من الانتهازية السياسية المفرطة ولايعفيها ذلك من مسؤولية الاساءة الى تنسيقيات الشباب وعرقلة مسيرتها الثورية أما قيام الائتلاف بتقمص دور مصدر الشرعية الوطنية واقرار مصير البلاد والمستقبل فيشكل بدوره ادعاء باطلا غير مقبول هناك في الساحة السورية الأكثرية من الوطنيين والثوار متمسكة بمبدأ أولوية اسقاط نظام الاستبداد وأن المصير النهائي لسوريا الجديدة يتقرر في البيئة الديموقراطية الحرة مابعد الاستبداد أما جماعات ( ب ك ك ) – الأمر واقعية – فأبعد ماتكون عن قضايا سوريا وهي تحمل أجندات في خدمة الخارج وجزء من مشروع نظام الأسد وعلى ضوء كل ذلك فأن المهمة الأساسية الآن هي المزيد من التلاحم والتكاتف والانخراط الجاد في العملية الثورية وليست اثارة أسباب الفرقة والانقسام التي تسعى اليها أوساط النظام وذلك لايمنع طبعا من مواصلة النقاشات والتشاور بين مختلف قوى الثورة وأنصارها وجماهيرها والمضحين في سبيلها حول جميع المسائل المتعلقة بمستقبلنا عربا وكردا ومكونات أخرى من بحث عن نظام سياسي مناسب بديل وصيغة أفضل لدستور سوريا القادمة وحل أنسب للقضية الكردية في اطار الدولة التعددية الواحدة من دون شروط مسبقة من جانب الكرد أومواقف مسبقة من جانب العرب بنيت خلال نصف قرن تحت تأثير ممارسات واعلام الأنظمة والحكومات السورية المستبدة الشوفينية .
مجلس الأحزاب الكردية يزايد لأسباب مصلحية ضيقة ويبحث عن موقع في جنيف 2 حتى يشارك الآخرين في التفاوض مع نظام الاستبداد ونيل مقاعد ومغانم وآخر شيء يفكر فيه هو الحقوق الكردية .
الائتلاف يبحث عن سبيل لاخفاء اخفاقاته المتواصلة ويمضي وقته في أمور لاتخصه ويترك المسائل الأساسية للقدر مثل تطوير الادارة السياسية وكيفية تعزيز صفوف الثورة وترسيخ صفوف الجيش الحر ومواجهة جماعات الثورة المضادة في الداخل وتوفير المستلزمات الضرورية لمواجهة كل الاحتمالات بما فيها املاء الفر اغ بعد سقوط النظام .
الطرفان يثيران الخلافات العنصرية المصطنعة ويؤسسان لنهج تصادمي بين المكونات الوطنية وخاصة العرب والكرد .