«القومية الكردية» حتى لا يتكرر الخطأ العربي كرديا !

حواس محمود

يحاول المثقف الكردي جاهدا معالجة الواقع الكردي والحركة السياسية الكردية في سورية بمبضع التحليل والنقد ، لكنه يجابه ويصطدم بسيل من الاتهامات والتوصيفات التشكيكية التي تأخذ طابع التخوين في كثير من الأحيان من قبل أحزاب الحركة السياسية الكردية في سوريا .
المثقف وهو يشعر بمسؤوليته التاريخية تجاه شعبه وبلده ومرحلته التاريخية ، يحاول نقد الخطاب السياسي الكردي ونقد الممارسات الميدانية التي لا تصب في المصلحة الكردية ولا تصب أيضا في المصلحة الوطنية لعموم سوريا ،
وهو إذ يتناول الأحزاب الكردية لأنها اللاعب الرئيس في المشهد السياسي الكردي في غياب مؤسسات المجتمع المدني الضامنة  للسلم الأهلي وتخفيف التوترات القومية والفئوية ، علما أن عدة مؤسسات للمجتمع المدني قد ظهرت في الآونة الأخيرة لكنها بازغة وجنينية .
الأحزاب الكردية- مع وجود استثناءات قليلة –  ترفع من نبرة خطابها القومي الأحادي بخاصة  في المرحلة الراهنة وكأني بها لا تريد أن تقترب من الطيف المعارض في المجتمع السوري رغم اعلانها أنها مع الثورة السورية لكن ممارسات الواقع تدحض مقولات الخطاب
والمشكلة لا تكمن في الخطاب القومي بحد ذاته بل بالممارسة الميدانية على ارض الواقع ، وكلما حاول المثقف نقد  ممارسات تلك الأحزاب كانت له الاتهامات جاهزة ومفصلة  كالخيانة والأردوغانية والبارزانية والكوسموبوليتية ( العدمية القومية ) تماما كما كان يتعرض له المثقف العربي الذي كان ينتقد ممارسات أنظمة الفساد والإفساد فكان سيل من الاتهامات تنهال عليه من قبيل عميل لأمريكا وإسرائل ، ضد العروبة ، ضد المقاومة والممانعة ، ضد الاستقرار والأمان .
الآن في الحالة الكردية في سوريا بدأ سيناريو الصراع بين السلطة والمثقف يطفو على السطح ولو بصورته البزوغية الخجولة ، إلا أن ماتحت سطح قشرة التناقض بين السياسي والمثقف أعمق وأكثر تفاعلا وغليانا مما قد يبدو على السطح نفسه ، وهنا نحاول التنبيه إلى هذه الظاهرة الخطيرة لأن المجتمعات التي تهمش المثقف وتخلق البيئة الطاردة له هي مجتمعات محكومة بالفشل ولو بعد حين  بسبب حاجتها الماسة للمثقف وللتكنوقراط لإدارة المجتمعات بخاصة في المراحل الانتقالية ، لا الاعتماد على الذين انخرطوا في السياسة واشتغلوا على عمليات الشد والجذب والصراعات السياسية الصادعة للمتابع الواعي والمثقف والمدمرة لبنية تلك المجتمعات والمسهلة والمساعدة لانتشار الرشوة والفساد والتخلف تماما كما كانت هي حالة  مجتمعات دول الثورات العربية .
لقد انكشفت الحركة السياسية الكردية بشكل جلي وواضح بعد أن تركت مسافة كبيرة وواضحة بينها وبين الحراك الشبابي الكردي المتعاطف والمتضامن مع الحراك الشبابي السوري العام ، كما أنها تهمش وتبتعد عن الأوساط المثقفة والمستقلة غير المؤدلجة  وذلك حفاظا على بنيتها الأيديولوجية الخاصة دون زحزحة أو رجرجة أو تغيير
ويتجلى هذا الانكشاف في عدة أمور : الأحزاب الكردية لا تعتمد على الكوادر المثقفة ، وقياداتها لا تولي كبير اهتمام للموضوعات الثقافية ، ولا تملك مكاتب إعلامية في الداخل والخارج وهي لا تدير مشاريع اقتصادية لتنفيذ برامج تنموية وتربوية واجتماعية وخيرية وإعلامية ، وهي تفتقر لمكاتب استشارية تعتمد على مختصين وأكاديميين في مجالات العلوم السياسية والاجتماعية وخبراء في الاستراتيجيا ، ولهذا يغلب على خطابها طابع الانشائية والشعارية في حالة شبه كبيرة بينه وبين الخطاب العربي التقليدي البلاغي التصعيدي – الخشبي – غير المستند على حقائق الواقع وحيثياته  .
والخلاصة أنه في زمن الربيع العربي الذي أسقط زعماء دكتاتوريين ومنهم من ينتظر، والذي اخذ مسارات تتخللها العراقيل والعقبات الكثيرة منها بنيوية محلية ومنها تدخلية خارجية إقليمية ودولية ،  التحذير والتنبيه واجب من أجل عدم وقوع الكرد في خطأ القومجين العرب بالمتاجرة بالقومية وتوجيه الأنظار إلى الخارح والآخر باستغلال مشاعر الشعب المكبوتة والمتخمة بالإضطهاد عشرات السنين ، من أجل مصالح شخصية ضيقة ، وإبقاء الشعب في حالته الاضطهادية دون أي ملامسة واقعية لما يتم طرحه  لكي لا يتكرر الخطأ  العربي كرديا  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…