مأزق المعارضة السورية في التوازنات السياسية ..

روني علي

   عديدة هي الأطراف التي راهنت على متفسخات المعارضة السورية مذ انطلق الحراك السوري، وحاول كل طرف من جانبه أن يلعب على أوراق الاستمالة لديه، كي يفوز من خلال إحدى مكوناتها بموطئ قدم له في توازنات اللعبة السياسية، ظنا منه أن الحدث السوري الذي سيفرض بتداعياته على المشهد السياسي سيحدث انقلابات جذرية في بنية هذه المعارضة، مما ستمكنها لأن تكون لها الكلمة الفصل في إدارة الوضع، وعليه كان النفخ في شرايين الأطر القائمة وإدخالها وفق ضوابط معينة ومحكومة في عمليات المد والجذر بهدف التأسيس لقوالب محكمة السيطرة وفق ما تريدها المشاريع والأجندات التي باتت تدير الوضع السوري من الخارج ..
  لكن سرعان ما تبين لتلك الأطراف أن هذه المعارضة، التي وجدت نفسها وجها لوجها في قلب حدث، أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه عاصف، اشتغلت ضمن مساحة / شعاراتية أكبر بكثير من حجمها وطاقاتها وقدراتها، فهي لا تمتلك حضورها الفاعل أو ثقل سياسي، لا في المشهد الداخلي، ولا في المعادلات أو التوازنات السياسية، الإقليمية منها أو الدولية، وبالتالي لا يمكن الرهان عليها كقوة لها القدرة في أن تغير من إحداثيات اللوحة السورية أو تدفع بالمسار السياسي وفق ما تفرضها استحقاقات الشارع السوري، وبالتالي تشكل جبهة قوية يمكن التعويل عليها، لذلك أرادت هذه الأطراف استخدام ورقة المعارضة كواجهة أو ورقة ضغط لا أكثر، تستطيع من خلالها أن تخلخل في البعض من موازين القوة الداخلية أو تستثمرها في عمليات الضغط والابتزاز، خاصة بعد أن طغى على الساحة صوت السلاح ولعبة الكبار ..

  وما ينبغي الوقوف عليه هو الخطاب السياسي الذي تتبناه هذه المعارضة، فهي لا تكف عن طرح شعارات الديمقراطية والتعددية واحترام الرأي الآخر، مع أنها بعيدة كل البعد عما تطرحها، بحكم افتقادها لأدوات التجسيد، كونها فاقدة لأي من مقوماتها، كونها باتت جزءا من الأجندات التي تستهدف أي مشروع يحاول النهوض بسوريا كتجربة ديمقراطية في المنطقة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن كل المشاريع، الدولية منها والإقليمية، تريد سوريا كدولة مفككة وتعيش أزمات داخلية، الهدف منها هو الدفع باتجاه انهيار مرتكزات هذه الدولة، وهذا ما يبدو جليا من خلال توريط بعض الأطر وكذلك بعض الكتائب المسلحة في إثارتها للنعرات الطائفية والقومية.

ثم أن المعارضة تتحدث عن دولة مدينة ودستور عصري، لكنها على النقيض من ذلك فهي تتصارع حول إمكانية الاستحواذ على مراكز القوة والقرار، بمعنى أن هوية الدولة وسيادتها ومستقبلها ليست كما هو مطروح على الورق أو في خطابات المعارضة، وإنما تتم رسمها في بعض الغرف، وما على المعارضة إلا الرضوخ لها، ومن هنا يمكن القول بأن التشكيلة “المعارضوية” التي اتخذت الاسترزاق سبيلا لوجودها، لا يمكن لها أن ترسم لوحة عن مستقبل البلد، وليست لها أي فعل في التأثير على توازنات معادلة القوة .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…