بصدد إعلان الإدارة الذاتية الديموقراطية

جان كورد

إن الإقدام على إعلان “الإدارة الذاتية الديموقراطية” في المنطقة الكوردية في شمال سوريا من قبل حزب الاتحاد الديموقراطي وتنظيمات أخرى عديدة، ربما ليس لبعضها من الأعضاء سوى الأمين العام المؤسس لتنظيمه بدون تنظيم، قد يوضع من قبل بعض المراقبين في إطار لا يتناسب هذا الإعلان من حيث  الهدف الأساس له، ولذلك يقع هؤلاء في أخطاء لدى تقييم هذه الخطوة، فالفارق كبير جداً بين إعلان الرئيس الكوردي الشهيد (القاضي محمد) جمهورية “كوردستان” في ايران عام 1946، وبين هذا الإعلان الذي لا يسمو أبداً إلى اعتباره نقلةً نوعية في التحرك الكوردي صوب شيءٍ من الاستقلالية القومية،
فإن برنامج حزب الاتحاد الديموقراطي، الذي لا يعتبر نفسه حزباً كوردياً أو كوردستانياً يخلو من أي نزعة “انفصالية” و ليست له أهداف معلنة في هذا الاتجاه، وكان على السيد صالح مسلم الرئيس المشارك لهذا الحزب في لقائه التلفزيوني الشهير  مؤخراً مع الدكتور هيثم المناع من هيئة التنسيق الوطني والأستاذ لؤي المقداد، المنسق الإعلامي والسياسي للجيش السوري الحر، توضيح الخطأ الفادح لدى الأستاذ مقداد الذي كرر مراراً عبارة “الإدارة المستقلة” عن جهلٍ بهذا الإعلان وبالقضية الكوردية “السورية” أو عن قصد، فتم وشم هذه الإدارة المتواضعة من قبله بوشم “الإنفصاليةالكوردية” ظلماً وعدواناً، وهو  في منصبٍ ذي أهمية في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ الشعب السوري المعاصر.
وفي الحقيقة، فإن الدكتور هيثم المناع كان متفهماً لما يجري على الساحة الكوردية، بل إنه أفصح عن موقفٍ إيجابي سليم تجاه القضية الكوردستانية في الإطار التاريخي والجيوسياسي الصحيح، وهذا نابع من خبرته السياسية الطويلة الأمد ولعلاقاته الواسعة في الوسط الكوردي السياسي… وبدا لي كأنه متفق أصلاً مع أصحاب هذا الإعلان على صدوره ونشره في هذا الوقت بالذات.

وعليه يمكن القول بأن الأستاذ لؤي المقداد الجريء والصريح والناشط قد أظهر نفسه ومن ورائه الجيش السوري الحروكأنهما غير قادران على تفهم الحالة الكوردية وتميزها عن قضايا السوريين الأخرى والظروف التي أدت إلى صدور هذا الإعلان من دون موافقة أو مشاركة من المجلس الوطني الكوردي، الذي يضم عدة أحزاب كوردية سورية هامة، والذي هو شريك لحزب الاتحادالديموقراطي وأحزاب صغيرة أخرى فيما يسمى ب”الهيئة الكوردية العليا” التي جعل منها أصحاب الإعلان “قميص عثمان”، إلا أنه ميت عملياً.
كان يجدر بالسيد صالح مسلم، على الرغم من وضعه النقاط على بعض الحروف الهامة في ذلك النقاش، القول بأن للأمة الكوردية حقها التام في الوحدة والاستقلال والحرية مثل أي أمةٍ أخرى، ولكن في الواقع السياسي العملي ليس هناك في سوريا حزب كوردي يدعو إلى الاستقلال والانفصال، وكذلك فإن حزبه لايدعو إلى ذلك أيضاً.

فاكتفى هذا السيد الذي هو أحد أقطاب هذا الإعلان عن “الإدارة الذاتية الديموقراطية” بتكرار أسطوانة الولاء للوطن السوري المشترك وبأن على الجيش السوري الحر انتزاع المعابر الحدودية إلى تركيا من أيادي “جبهة النصرة”، وبأنه سيشارك إخوته العرب في الحكم في دمشق، كما أن حزبه هو الذي أعلن الثورة على النظام، وما لجؤه إلى استخدام السلاح إلا للدفاع عن الشعب في المناطق الكوردية وبعض المناطق العربية أيضاً… وهنا أستغرب كيف نسي الأستاذ لؤي المقداد السؤال عن سبب عدم انضمام “قوات الحماية الشعبية” إلى الجيش السوري الحر، إن كان هذا الكلام كله صحيحاً!!! 
السيد صالح مسلم يعلم تماماً أن الدولة التركية التي لها مئات الكيلومترات من الحدود مع سوريا ومن ناحية المناطق الكوردية بالتحديد لن تقف مكتوفة الأيادي حيال مشروع قومي كوردي للإدارة الذاتية، لذا فإن حزبه قد سعى لحشد العديد من أسماء وتواقيع الشخصيات غير الكوردية ومنها ما يتولى قيادة مجموعة من الناشطين أو تنظيماً سياسياً محلياً، كما سعى إلى طمس الملامح القومية الكوردية لإعلانه الذي أثار موجة من الرفض والاستنكار، ليس من قبل الشرائح القومية العربية في سوريا فحسب، وإنما من الإدارة الأمريكية أيضاً.

واضطر لأن يعتبر “إملاء الفراغ الأمني” في المناطق الشمالية سبباً أساسياً لإصدار هذا الإعلان في غياب الأحزاب الكوردية التي تحالف معها من قبل في “الهيئة الكوردية العليا”.

ولكن الواقع العملي يؤكد لنا أن الجهاز الأمني لنظام الأسد لايزال فاعلاً وعاملاً في هذه المناطق.

والسؤال الآخر هنا هو: “لماذا حرص السيد صالح مسلم وأتباعه على زج كثيرين في هذا الإعلان لايملكون شروى نقير، وهم سيكونون عالة على حزبه، وتفادى الجيش السوري الحر، وقوى المعارضة السورية، والأحزاب العريقة في الحياة السياسية الكوردية؟”
برأيي إن الجواب بسيط للغاية…
سبب هذا الاستعجال وعدم التروي هو أن هناك تنسيق وتخطيط من قبل حزب العمال الكوردستاني وحلفائه في المنطقة والعالم لترجيح كفة النظام الأسدي في جنيف 2، وما حشد هذه القوى والشخصيات الكوردية وغير الكوردية إلا لتشكيل كتلة “وطنية” سورية لا ترى حرجاً في الجلوس إلى طاولة الحوار مع النظام، في جنيف وفي سواها أيضاً، ولربما مباشرةً في الداخل السوري… 
ولماذا حزب العمال الكوردستاني؟
لأن حزب الاتحاد الديموقراطي هو التشكيل السوري من تنظيماتهالكوردستانية المختلفة، ولا يستطيع أحد في قيادة حزب الاتحاد الديموقراطي الخروج على الأوامر التي تأتيها من قنديل وما وراء قنديل… وما أدراك ما قنديل!!!
وفي النهاية، أرجو أن لايفهمني أحد من الإخوة الكورد بشكلٍ خاطئ، فأنا لست ضد أي شكل من الإدارة الذاتية للشعب الكوردي، ولمختلف مكونات الشعب السوري العظيم، بل دعوت إلى ذلك منذ عام 1976 وليس الآن، ولكن لا يمكن لطرفٍ كوردي مهما كان قوياً أن يتصرف هكذا دون الأطراف الأخرى في موضوعٍ يتعلق بمصير شعبنا… 
أنا من أنصار إقامة النظام اللامركزي لعموم سوريا، وأنا عضو في المجلس الوطني الكوردستاني– سوريا الذي يطالب بالفيدرالية للشعب الكوردي في سوريا، فهو النظام الذي سيسهل مهام أي حكومة مستقبلية لحكم هذه البلاد الخاضعة للاحتلال الفارسي، والدولة المركزية صارت متخلفة في هذا العصر، وإن “عروبة” أو “إسلامية” أو “كوردية” أو “مسيحية” أو “علوية” أو “درزية” أو “سريانية” سوريا لم تعد تعشعش سوى في عقول متخلفين عن ركب الحضارة الإنسانية، ومنهم على سبيل المثال الحقوقيان البارزان هيثم المالح وكمال اللبواني، اللذان يحاربان الشعب الكوردي فعلياً بتصريحاتهما الشوفينيةالتي يشمئز منها الناشطون الكورد، بل الشعب الكوردي بأسره، إذ ليس هناك أي فئة سورية تستطيع ارغام الفئات الأخرى بعد اليوم على الخضوع أو الركوع لها… والمستقبل سيرينا إلى أين تسير سوريا التي ضحت بالكثير من أجل حريتها وليس من أجل أن تركب فئة ظهر الفئات الأخرى…
 

15‏ تشرين الثاني‏، 2013

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…