النزوح الكردي من سوريا – هجرة أم تهجير

  علي مسلم

يتبادر للذهن أحياناً أسئلة قد تكون خبيثة تدور حول بعض الظواهر الآنية والتي تنشأ مع سيادة ظرف طارئ على واقع ما في ظروف يمكن تسميتها استثنائية كالظروف التي نعيشها في ظل انعكاسات الثورة وإسقاطاتها على الأرض ، وقد تكون هذه الأسئلة مشروعة خصوصاً إذا كانت تحاكي واقعاً اجتماعيا ذو دلالات سياسية خطيرة ، ولعل أسطع سؤال في هذا المضمار هي تلك الأسباب المباشرة التي أدت إلى حدوث هذا الشكل من الهجرة والنزوح والتي تتعرض لها المناطق الكردية في سوريا في الوقت الذي يعرف فيها القاصي والداني أن تلك المناطق كانت من المناطق السورية القليلة التي لم تتعرض لبطش النظام مقارنة مع المناطق السورية الأخرى كحمص ودرعا وحلب بمناطقها المتعددة مثل أعزاز والباب ومنبج والسفيرة
 ففي مدينة اعزاز مثلاً لا نرى أي منزل أو شارع أو سوق إلا وقد تعرض إلى أكثر من غارة جوية ونتج عنها قتلى وجرحى بالمئات وقد تعرضت البنية التحتية كاملة جراء ذلك إلى التدمير من زراعة وصناعة وتجارة بالرغم من ذلك بقي أهلها صامدين يرسمون صورة الحياة من جديد على أنقاض منازلهم ومصادر رزقهم وهذا بالتأكيد برهان ساطع على جدلية التمسك بصيرورة الحياة والحق والمصير، كما الحال بالنسبة لمنطقة الباب ومنبج حيث تعرضت كل مدينة إلى أكثر من مئة غارة جوية قاتلة نتج عنها قتل وتدمير بالرغم من كل ذلك لم يبرح احد منزله إلا في حالات نادرة واستثنائية ، فماذا حدث بحيث وصل الوضع بالعقل الكردي كي يتخلى عن حاضره وماضيه بهذا الشكل المريع ويختصر كل ما يمت له بصلة في هذا الأرض والوطن في صرة قماشية يسير بها نحو المجهول وآفاق الضياع وهذا النزوح الجماعي الملفت للنظر باعتقاد البعض يتجاوز في دلالاته مسألة الخوف أو الجوع فالشعب الكردي يدرك كما الآخرين في سورية أن للحرية ثمن علينا دفعها وقد يكون باهظاً جداً لكن الذي جرى ويجري في المناطق الكردية يختلف عما يجري في المناطق السورية الأخرى حيث يبنون مستقبلهم بإرادتهم رغم سوء إدارتهم فالذي جرى في المناطق الكردية لم يكن تحريراً وفق المنطق الثوري بل كان شكلاً من السيطرة وفق آلية الاستلام والتسليم تمت بين أجهزة السلطة الأمنية وقوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي في الظلام بحيث يتم إدارة تلك المناطق من قبلهم وحدهم عبر وشائج سرية مرتبطة بالنظام بحيث تكون وضع تلك المناطق متنافرة مع الإرادة الوطنية العامة الكردية وغير الكردية مما فسح المجال لممارسات لم تختلف في توجهاتها وآلياتها ومراميها عما كان يجري خلال مراحل سلطة البعث البائد فسياسة التخوين وملاحقة النشطاء من أبناء الشعب الكردي وقتل المختلف وخطف المعارض مع التحكم بقوت الناس والضغط عليهم ومحاربتهم في معيشتهم كلها ممارسات أدت إلى نزوح الناس بالألاف حيث قارب الرقم حتى نهاية يوم 20/8 المئتا ألف وتركوا قراهم ومدنهم على هذه الصورة المأساوية وفق سياسة الإفراغ الإجباري للكرد ليتسنى للقوى الشوفينية بالسيطرة على مفاصل البلاد والعباد من جديد كون الهجرة هي ليست مسألة مرتبطة بالمزاج الكردي الذي أثبت تاريخيا تمسكه بحقه وأرضه ومصيره بقدر ارتباطها بممارسات استبدادية تمارسها قوات الحماية بحق المدنيين الكرد في مناطقهم وقراهم قد يكون ثمناً لفاتورة أقتضى تسديدها في هذه المرحلة إرضاءاً لأولياء الأمر والمصير ضمن وخارج أسوار الحدود

كاتب كردي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…