مخاطر دخول البشمركة إلى المناطق الكُردية السورية

حسين جلبي

تحولت المناطق الكُردية السورية مؤخراً إلى خرائب هجرها معظم سُكانها الكُرد نتيجة الصراعات السياسية البينية الخرقاء و المُغامرات العسكرية الجوفاء و التي أبطالها ليسوا أكثر من مجموعة من الهواة العنيدين فاقدي الحيلة حولتهم تصرفاتهم، من حيثُ يعلمون أو لا يعلمون، إلى بيادق تتحرك في أجندات تتجاوز غاياتهم القريبة أو البعيدة، فقد خلت تلك المناطق، التي يتصارع حولها و عليها أبنائها، من أبسط مقومات الحياة و ذلك رغم عزوف النظام السوري عن فتح جبهة على نفسه منها، في الوقت الذي يصب فيه جام حممه على الجغرافيا السورية التي خرجت أو في طريقها إلى الخروج عن سيطرته.

بُذلت مُحاولاتٍ مستميتة إذاً لخوض حروبٍ إشغالية في المناطق الكُردية السورية المنكوبة لكنها بائت جزئياً بالفشل، و كانت هناك دعوات طفولية، و في مناسباتٍ مختلفة، إلى تدخل إقليم كُردستان عسكرياً في تلك المناطق، دعواتٍ لا تأبه بحساسية الوضع السوري الموجود بدقائقه تحت المجهرين الإقليمي و العالمي، و ما يمكن أن يستجره مثل ذلك التدخل من ردات فعل سواءً من قبل النظام أو حتى من المعارضة السورية، و من قبل الدول الإقليمية التي تتقاسم الملف الكُردي و تعتبره ملفاً واحداً حتى و إن كان يقع خارج حدودها، كانت الدعوات للتدخل تزداد كلما وجد الكُرد السوريون أنفسهم إمام حائطٍ مسدود، و هو ما كان عليه حالهم في قضايا يومية تتعلق بإمداد بيوتهم بالكهرباء مثلاً، و هذا ما حدا بالإقليم الكُردي للتدخل إنسانياً في مناسباتٍ عديدة من خلال تقديم موادٍ إغاثية، حتى وصل به الأمر إلى بناء جسر عائم على نهر دجلة الفاصل بينه و بين المناطق الكُردية السورية، على الحدود الدولية السورية ـ العراقية.
إلا أن ما أُثير مؤخراً في الإعلام عن تعرض الكُرد السوريين إلى مجازر قد جعل الأصوات الداعية إلى التدخل عسكرياً أكثر إرتفاعاً، كما أظهر ما قام به الإقليم من ردودٍ عليها، تمثلت بدعوة السيد مسعود البرزني رئيس إقليم كُردستان إلى تشكيل لجنة تحقيق في تلك الأنباء، و كأنها مُقدمةً للتدخل العسكري.
لكن الحقيقة هي أن أقليم كُردستان هو أبعد ما يكون عن التدخل عسكرياً في المناطق الكُردية السورية، فعلاوةً على صعوبة ذلك بسبب وضع الإقليم داخل العراق و نظراً إلى ما يتطلبه التدخل من إمكانيات عسكرية هائلة منها توافر سلاح الطيران، إضافةً إلى أن القتال سيجري في حال وقوعه خارج أراضي الأقليم، و هي تجربة جديدة سيخوضها البشمركة، و هو، أي القتال، سيكون ضد عدو مجهول أو غير واضح المعالم في جغرافية صعبة و متداخلة و في بيئة ليست كلها حاضنة و صديقة بإعتبار أن سكان المناطق الكُردية ليسوا كلهم من الكُرد، علاوة على كل ذلك، و في ظل التصريحات الإيرانية و المالكية و الروسية، تبدو المناطق الكُردية السورية بمثابة الفخ الذي يجري إعدادهُ بإتقان ليستهدف تجربة إقليم كُردستان، و شخص السيد مسعود البرزاني.
إن إلقاء نظرة سريعة على التحركات الإيرانية الأخيرة (الإيجابية) تجاه الملف الكُردي السوري، و كذلك على تصريحات المالكي التي تصب في القناة ذاتها، و مُقارنتها بمسلك الدولتين تجاه أكرادهما، يظهر بوضوح عدم خروج تلك التحركات عن الإستراتيجية الإيرانية الرامية على الحفاظ و بأن ثمن على نظام الأسد، و هنا ليس مستغرباً أن يلقى التدخل الكُردي العراقي، في حال حصوله،  تشجيعاً من إيران، فهي تهدف إلى إبعاد النيران و بأي ثمن عن نظام الأسد، و بالتالي فتح جبهة في أبعد نقطة عنه و في الوقت ذاتهُ بالقرب منها و تحت أنظارها، و بذلك ستصبح تلك الجبهة المُفترضة ثقباً أسوداً يبتلع الجماعات المتشددة التي تحارب الأسد، و هكذا ستجد إيران من يُحارب عنها بالوكالة، خاصةً إذا أخذنا بعين الإعتبار حقيقةً كون تلك الجماعات التي سيتم قتالها من الطيف السني في الوقت الذي تقود إيران و كما هو معروف المحور الشيعي، أما الهدف الآخر الذي ستحققه إيران، و من ورائها عراق المالكي على المدى البعيد فهو تحطيم تجربة الفدرالية في  إقليم كُردستان العراق و بالتالي وأد حلم الكُرد في وطنهم القومي كُردستان، فبعد أن أصبحت أحوال المنطقة الكُردية السورية على ما هي عليه من تضعضع، و بعد أن إنتهت تجربة الحرب الكُردية ـ التركية إلى تنازلٍ حزب العُمال الكُردستاني هناك عن مصطلح كُردستان، و في الوقت الذي يعيش الوضع الكُردي الإيراني موتاً سريرياً، تتجه الأنظار إلى كُردستان العراق، كُردياً بإعتباره الأمل، و إقليمياً بإعتباره الخطر، و إذا كان الكُرد في كل مكان يرغبون بتحسين أوضاع مناطقهم بالإستفادة من الإقليم فإن الدول التي تتقاسم كُردستان التاريخية تنظر بعدم الرضا إلى الأقليم و ترغب بتحجيمه و إنهائه للخلاص من صداعها الكُردي، و ليس أسهل من أن تقوم إيران و عراق المالكية، و عندما يبلغ تدخل إقليم كُردستان مرحلة اللاعودة، من طعن الإقليم في ظهره، و ليس أسهل من قيام تركيا بسحب شركاتها من الإقليم لتعاود الكَرة ثانيةً بعد أن تتغير الأحوال.
ثمة مخاطر جمة إذاً تحيط بإقليم كُردستان العراق و تقف عائقاً أمام تدخلهُ العسكري في المناطق الكُردية السورية حتى و إن تم تجميل الأمر من بعض الأفراد و الدول، سيصبح الإقليم الكُردي بتدخله بين نارين: نار إيران و عراق المالكي، و نار تنظيم القاعدة و الجماعات التكفيرية التي تدور في فلكه، و التي عجز العالم كله بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عن الإنتصار عليها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…