سوابقها المعروفة بالفشل والعجز بانجاز المهام الوطنية الديموقراطية في مرحلة تمتد من فجر الاستقلال مرورا بحكم البورجوازية الوطنية وانتهاء بالنظم الانقلابية العسكريتارية الشمولية مضافة الى سيرتها الاشكالية في ظل النظام الشمولي لأكثر من خمسة عقود وجنوح غالبيتها لخدمة الاستبداد اما بالتنظير ” لتقدميته ووطنيته ومعاداته للامبريالية وخطه اللارأسمالي ” أو الانخراط في خيمة ” جبهته الوطنية ” أو مهادنته وموامأته وصولا بالنهاية الى الرضوخ لشروط التدجين والاستسلام أمام سيف القمع ومسايرة الأمر الواقع وتحولت الى مجرد أسماء وهياكل من دون محتوى وذاقت طعم الذل والهوان لاحول لها ولاطموحات ناهيك عن بعدها وانعزالها عن الجماهير الشعبية في المدن والأرياف .
– * –
لمزيد من الوضوح نعني بهذه النخبة كل تياراتها القومية والاسلامية واليسارية والليبرالية ومن مختلف الانتماءات التي لم تساهم نظريا وعمليا باندلاع الانتفاضة الثورية في أشهرها الأولى وخلت برامجها واطروحاتها من أية اشارة حتى الى احتمال نشوب الثورة ووقفت في موقع المشكك والمعرقل بشأن الحراك الشبابي الذي تصاعد وتعمم في غالبية المناطق عبر المظاهرات الاحتجاجية السلمية وشعاراتها الوطنية والتي حاولت فيما بعد عقب تحول الثورة الى حقيقة وتمثيلها لارادة السوريين والتعبير عن طموحاتهم في الحرية والكرامة أن تتسلق على أكتاف الثوار وخاصة في خارج البلاد وتختار أسهل السبل بدعم خارجي في تنصيب نفسها ” ممثلا شرعيا وحيدا ” ليس للثورة فحسب بل للشعب السوري برمته بكل مكوناته وأطيافه وألوانه منتظمة في أطر – المعارضات – من مجالس وهيئات وجماعات مازالت تتكاثر كالفطر بدءا من تاريخ مضي أربعة أشهر على الثورة وحتى يومنا هذا .
– * –
في الوقت الذي كانت فيه أهداف الثورة تتكامل وتتبلور قبل انتهاء عامها الأول وتجمع على المهمة المركزية في اسقاط النظام بكل مؤسساته ورموزه وصفوف الثورة تتوسع بقيام المزيد من التنسيقيات الشبابية ووتيرة الانشقاقات عن جيش النظام تتصاعد بمافيها ضباط كبار وتنظيم الألوية والكتائب الثورية يتوسع ويتعزز ويتم تحقيق المزيد من المناطق والمدن والبلدات المحررة بأغلى التضحيات كانت نخب – المعارضات – مشغولة بالبحث عن مواقع نفوذ وعرضة لاختراق القوى الخارجية للوصول عبرها الى جسم الثورة وكانت جماعات الاسلام السياسي بحكم عوامل موضوعية مهيئة أكثر من غيرها لتشكل جسرا لقوى اقليمية ودولية من بينها أعوان النظام أو حلفائه للوصول الى قلب الثورة ومحاولة النيل من قدسيتها وتدنيس طهارتها وهكذا تكون النخبة التقليدية هذه قد اقترفت خطيئة أخرى تضاف الى سجلها القديم .
– * –
النخب التقليدية في – المعارضات – المفروضة على الثورة لم تحصل على الاعتراف الدولي مجانا ولم تبرز القنوات الاعلامية من خليجية وغيرها وجوه رموزها من دون ثمن أو هدف ولم تستقبلهم الحكومات المعنية رسميا لخاطر الشعب السوري بل لقاء استخدامها – النخب – لكبح جماح الثوار في تحقيق أهدافهم ومنع الثورة السورية الفريدة من نوعها للوصول الى هدفها النهائي في اسقاط النظام وتفكيك سلطته ومؤسساته وقواعده الاجتماعية والاقتصادية لتشكل بذلك نموذجا ناجحا يحتذى به في ربيع الثورات وتشذ عن القاعدة العامة المتحكمة حتى الآن في ثورتي مصر وتونس وفي هذا السياق تقوم النخب التقليدية المعارضة بدور الطابور الخامس لجر الثورة الى الانتكاس والارتداد ودفعها نحو عقد الصفقات وأنصاف الحلول بقبول بقاء النظام كما كان مصانا محميا بكل أركانه ومؤسساته .
– * –
كانت الثورة بألف خير ونشطاؤها على أتم التوافق والوئام من درعا الى القامشلي وجيشها الحر متماسك الصفوف بين كل مكوناته الا ان بثت النخب التقليدية المعارضة سمومها العنصرية والدعاوية الدينية – المذهبية ففرقت الصفوف الى جانب فشلها الذريع في طرح البرنامج الوطني الديموقراطي السليم الذي يرضي السوريين بكل فئاتهم وبخلاف قلة قليلة لم تتجاوز سياساتها مواقف نظام الاستبداد الشوفينية بشأن قضايا القوميات والأعراق في البلاد وخاصة القضية الكردية .
– * –
بسبب طبيعتها الثقافية اليمينية وجذورها الفكرية المحافظة أسست النخب التقليدية المعارضة القاعدة الرئيسية للثورة المضادة بكل انحرافاتها وأمراضها وجوانبها الدينية السلفية الجهادية والمواقف الوسطية والنزعات الطائفية والعنصرية ونوازع الفساد المالي والاداري والأخلاقي والأداء الفاشل بسبب النفس القصير وعدم القدرة على الصمود والتلون السريع في اتخاذ وتبديل المواقف نادت باسقاط النظام وعكسه واستمرارية الثورة ووقفها قالت لنا لاحوار مع النظام المجرم والقاتل وهي من تريد الحوار مع نفس النظام قالت أنها بامرة الثورة والثوار وأول من خرجت عليها وعليهم .
– * –
لأن غربتها عن الفعل الثوري وعدم المامها بقوانين ديالكتيك الانتفاضات الثورية التغييرية تارة تتمظهر النخب التقليدية المعارضة باللبوس الاسلامي والقومي وأخرى بالعلمانية المزيفة تزعم الآن بل تبشر أن الثورة بخطر من تنازع المجموعات ” الجهادية ” ( وهي من جلبتها أساسا ) ومن الأفضل الاتفاق مع النظام متجاهلة أن أهل الثورة أدرى بداخلها وأكثر دراية بقوانيها التي تقضي بتكاتف الجميع كائنا من كانوا بلحى أو بدونها وبكل الشعائر والشعارات المرفوعة بكل اللغات والألوان وفي كل المناطق حول الهدف الأول والأخير والأساسي وهو اسقاط نظام الاستبداد وتفكيك سلطته بكل جوانبها ولتبدأ بعد ذلك المعارك السياسية السلمية في مرحلة اعادة بناء الدولة الديموقراطية التعددية الحديثة .