سورية الانتقالية وبعض المفاهيم

غسان المفلح

كما كان القرار الدولي 2254 يؤبد الهيكل الاسدي، لدينا القرار الجديد 2799 يؤبد قادة المرحلة الانتقالية. بغض النظر عن الشكل الذي ستتوضع عليه الدولة. ربما يؤبد بقية الثلاثي الذهبي قسد والهجري وغزال. لا يعني ان حقوق السوريين ستكون مصانة مع هؤلاء. لهذا المعارضة التي تطالب هكذا قرارات، فإنها تتعامل وفق كيدية فارغة. فارغة من فهم حقيقي للسياق الانتقالي السوري دوليا عموما وامريكيا خصوصا. سواء كانت القرارات تحت البند السادس او السابع.

عندما يريد مجلس الآن أو الدول فرض صيغة حكم في بلد انتقالي وفيه عدة أطراف مسلحة، لها توجهات مختلفة جذريا عن بعضها، تلجأ لهذه الأطراف. لا تلجأ للمعارضين والنخب السياسية والثقافية التي لا تملك وزنا على الأرض. لسببين الأول: أن هذه النخب لا تستطيع فرض أو السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها الأطراف المسلحة. ممكن الاستعانة بقلة منهم كتكنوقراط، أو لتغطية هامش تمثيلي غير أساسي. مثال: في الملف الكردي وملف قسد هل تتوجه الدول لمثقف مثل إبراهيم اليوسف مثلا؟ أو لمثقف مثل سربست نبي؟ رغم شعبيتهما في الوسط السوري والكردي السوري، أم تتوجه لقسد؟

في السويداء هل تتوجه مثلا للمثقف السياسي اللامع جاد الكريم جباعي أم تتوجه للشيخ حكمت الهجري الذي يتزعم بعضا من الفصائل العسكرية؟ في مناطق العلويين سيكون غزال غزال حاضرا في مثل هذا التوجه لدى مجلس الآمن والدول، أو ربما رامي مخلوف أو غياث دلة أو سهيل الحسن، ولن يكون حاضرا رفاقي في حزب العمل.

السبب الثاني: مجلس الامن ودوله وقراراتها تركز على ما يمكننا تسميته السلم الأهلي. فهل هذه المعارضة السياسية المثقفاتية قادرة على لعب دورا في تأمين السلم الأهلي؟ حتى القرار 2254 يؤمن انتقال بهيئة حكم انتقالي لا وجود للنخب فيها، بل للمعارضة المسلحة وعصابات الأسد.

مفهوم ثاني: الذي تحاول بعض النخب والتجمعات الهامشية مما يسمى المعارضة هو استخدامها لمفهوم السبي في حملتها على قضية النساء السوريات المختطفات. تريد التأكيد أن السلطة هي من تقوم بالسبي لأنها من خلفية جهادية. والسبي عنوان محسوب على الإسلام المتطرف. لا يكتفوا بذلك، بل يتهموا فيها أهل أدلب. مباشرة أو مداورة. كونهم يعتبروا إدلب معقلا للاسلام الجهادي وأن السلطة أغلب قياداتها من إدلب. رغم علمهم أن هذه الظاهرة غير موجودة. الخطف امر مختلف عن السبي. السبي مفردة تثير عداء السوريين لصاحبها سواء كان حزبا أو فردا.

حول مفهوم الشعارات في المناسبات الرسمية:

في ضبط الهتاف والخطاب والمصطلحات أثناء التجمعات والاحتفالات العامة: إن ضبط الخطاب العام واختيار المفردات خلال التجمعات والفعاليات الشعبية في الساحات العامة، ليس تفصيلاً ثانوياً، بل عنصرٌ جوهري في تشكيل صورة المجتمع ومرجعيته وأهدافه، فالكلمة اليوم باتت تُقرأ وتُفكَّك وتُفسَّر، ثم تُوظَّف سياسياً وإعلامياً ضمن بيئة دولية شديدة الحساسية…

-لقد رصدت بعض الصحف العالمية في الاحتفالات الأخيرة هتافات أُطلقت في مدن سورية حملت مضامين عدائية تجاه دول الجوار ( خيبر خيبر) ومهما كانت نوايا مطلقيها أو الظروف الميدانية التي انطلقت فيها، فإن استغلال هذه الهتافات من قبل مؤسسات أبحاث وإعلاميين وساسة في الخارج أمر متوقع، بل طبيعي، نظراً لطبيعة الصراع الدولي وطبيعة التوظيف السياسي للإشارات اللفظية. وما إن تتحول عبارة أو هتاف إلى مادة تداول في الإعلام العالمي، حتى تصبح جزءاً من رواية تُبنى وتُعمَّم، وقد لا تعبّر بالضرورة عن حقيقة الحراك أو دوافعه.

-من المعروف في علم الاتصال السياسي أن أي قضية تتكرر في خطاب صحيفة مؤثرة، ثم تُناقش في مقالات الرأي، وتظهر في تحليلات مراكز الأبحاث، وتُطرح في أروقة السياسيين، فإنها تكون في العادة قد شقت طريقها إلى غرف التقييم الاستخباري، ذلك يعني أن كل تفصيل مهما بدا صغيراً يمكن أن يتحول إلى عنصر ضمن ملف يُدرَس ويُستخدم في بناء استنتاجات وقرارات لاحقة.-

-وهذا يقودنا إلى حقيقة أخرى: إن كل ما يُقال ويُكتب ويُهتف في الساحات يخضع لمراقبة دقيقة من أجهزة استخبارات دولية عديدة، فصورة المجتمع، وانضباط خطابه، وقدرته على إنتاج رؤية سياسية متماسكة، كلها عوامل تدخل في تقييم مدى جدّيته وتأثيره، وبالتالي في تقدير مستقبل أي مسار وطني قادم.

-إن نجاح أي مشروع وطني يتطلب تناغماً بين الحراك الشعبي وخطابه، وبين ما يُتوقَّع منه في الداخل والخارج. فكما يُطلب من الحكومة تطوير خطابها السياسي والإعلامي وقد فعلت، فإن تطوير خطاب الشارع نفسه أصبح ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى.
هذا حول مفاهيم الشعارات المطروحة من قبل بعض مجاميع السلطة.

الامر الآخر حول هذا الموضوع هو

الشعارات التي تمس السياق الداخلي السوري:

شعار وهتاف مثل” قائدنا للأبد سيدنا محمد” كتبت عن هذا الامر. جاءني بعدها وابل من الشتائم والتحريضات والتهديدات. لكن من الواضح أن هنالك اتجاه سياسي في البلد يريد تأكيد حضوره عبر هذا الشعار.

لهذا سأوضح التالي:

هذا الشعار- الهتاف في المناسبات يأتي في سياق نشاز عن هذه المناسبات ومتطلباتها الشعارتية والهتافية. أول مرة لفت نظري في زيارة الرئيس الشرع لأحدى المدن السورية: كان في استقباله حشدا من الناس وبعد دقيقة تم الهتاف بهذا الشعار.

من أطلقه لكي يردده الناس منهم من هو واع لما يريد ومنهم من يردده بدون وعي. أن ترديد الشعار أمام الرئيس الشرع، يحمل معنى واحد هو: نضعك على حد المقدس! هذا الشعار يختصر ببساطة تطبيق الشرعية الإسلامية كما يفهمها هؤلاء في سورية. لا معنى آخر له.

بعد هذه الحادثة بدا الشعار يتكرر في كثير من المناسبات ومنها ما هو رسمي! هذا الامر لا يأتي مجانا وبعض التيارات الإسلامية تعرف تأثيره وتعرف كيف تتعامل معه. هو احراج للسلطة من جهة، ودعوة للتشدد في السياق السوري الداخلي من جهة أخرى.

لكن بالمحصلة علينا أن نفهم أن الدافع ليس إسلامي وليس إيماني، بل هو دافع سياسي بحت، لمن يقف خلفه. وإذا كان الرئيس الشرع وفريقه هم خلف إطلاق هذا الشعار، وأنا استبعد ذلك، فنحن أمام مشكلة ليست قليلة. للأسف هذا التيار له حوامل داخل هيكلية السلطة في دمشق.

كتيار سياسي مقونن وفقا لقانون أحزاب: سلميا اطرح ما تريد من شعارات في مناسباتك الحزبية، لكن المشكلة هنا أنه لا يوجد قانون أحزاب، ولا نعرف بعد شخصيات هذا التيار الذي تقف خلف هذه الشعارات المهددة لوحدة سورية ارضا وشعبا. سأكتفي بهذا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

زينه عبدي أشارت تصريحات وزير الإعلام السوري خلال كلمته، بمناسبة يوم سقوط النظام البعثي العفلقي في 8 ديسمبر الجاري، إلى التحذير المباشر من خطورة الاستغلال والاستثمار المتعمد للصحافة والإعلام في ظل المرحلة الانتقالية، من قبل اللاعبين في المشهد السياسي. لذا هذا التحذير لا يقرأ بمنأى عن الضعف البنيوي في البيئة الإعلامية التي تتصف بسهولة التسييس وعدم الاستقرار. لكن، أليس من…

صديق ملا وهذا يعني (( إتفاق خاص يعترف صراحة ً بوجود مصالح متضاربة بين المجتمعات الإقليمية وإلزامهم بالسعي إلى التوافق بدون التفوق على الأقلية، وبدون إستخدام القوة ، وهي في جوهرها طريقة لتحصين الجمهورية السورية والذي يعني ضمناً ” فصل السلطات”، كما أنه يعني تقسيم إداري بين حكومة عامة واحدة (يكون لها سلطة على الأراضي الوطنية) وسلسلة الحكومات دون الوطنية…

شادي حاجي لم تعد الجاليات المهاجرة في أوروبا مجرد جماعات ثقافية تعيش على هامش السياسة، بل أصبحت فاعلاً مؤثراً في صياغة القرار العام، خصوصاً حين تنجح في تنظيم نفسها والعمل ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية. وفي هذا السياق، تمتلك الجالية الكردية في أوروبا فرصة تاريخية لتحويل وجودها العددي والسياسي إلى قوة ضغط حقيقية تخدم القضية الكردية، شرط الانتقال من ردود…

نظام مير محمدي * لم يشهد العصر الحديث مواجهة حامية بين نظام دکتاتوري قمعي وبين شعب تواق للحرية، کما جرى ويجري في إيران منذ قيام نظام ولاية الفقيه. وفي هذا السياق، جاء تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الخميس 18 ديسمبر/كانون الأول 2025، لقرارها الـ72 الذي يدين الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان في إيران، بمثابة شهادة دولية متجددة على الوضع…