عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
يواصل النظام الإيراني المضيّ في هستيريا الإعدامات، واهماً أنَّ نصب المشانق سيشكل سداً منيعاً يحول دون سقوطه الحتمي. بيد أنَّ هذه الإعدامات لا تفعل شيئاً سوى تعميق سجل جرائم النظام ومضاعفة فاتورة حسابه أمام التاريخ. وفي المقابل، فإنَّ غض الطرف عن هذه الاستباحة للأرواح لا يمثل مجرد صمتٍ عابر، بل يوصم دعاة «سياسة المهادنة» مع دكتاتورية ولاية الفقيه بعارٍ أخلاقي، ويجعلهم شركاء في تضخيم سجل هذا الاستبداد الدموي.
كل إيراني يعارض الإعدام. لكن هذا لا يكفي. يجب الارتقاء بمستوى المسؤولية إلى أسمى الغايات، حتى يصبح كل إيراني مناضلاً من أجل الحرية. يُشير «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، الذي نشأ من آلام ومعاناة ملايين الضحايا، إلى أن سكان أي أرض «يُضطرون، كملاذ أخير، إلى الثورة ضد الظلم والاضطهاد».
وضع إيران في ظل حكم ولاية الفقيه
لقد بلغت وتيرة التطورات في إيران حدًا جعل السقوط وشيكًا تمامًا. أعلن الرئيس الأسبق للنظام الإيراني أن 90% من الشعب يعارضون قوانين مجلس النظام. ولقد تحدّت الأجنحة داخل النظام الولي الفقيه الحاكم (خامنئي). يأتي هذا الوضع في ظل اقتصاد إيراني غير مستقر، وتفجّر لاضطرابات مزمنة في المجتمع بسبب النقص الهيكلي في المياه والكهرباء والغاز. بلغ التضخم السنوي أكثر من 40%، وأصبح تدهور قيمة العملة الرسمية للبلاد لا يمكن إيقافه. يواجه النظام عجزًا في الموازنة، ويهدد الفقر المدقع حياة عشرات الملايين من الإيرانيين، بمن فيهم 60 ألف شخص يُقتلون سنويًا بسبب تلوث الهواء.
في وقتٍ يغلي فيه المجتمع الإيراني فوق فوهة وضعٍ متفجر، يقف النظام عاجزاً تماماً عن اجتراح أي حلول، مجرداً من أدنى قدرة على الإصلاح السياسي. بل إنه يمعن في غيّه يوماً بعد يوم، مصعداً من وتيرة القمع الهمجي وحملات الإعدام المسعورة، تزامناً مع سعيه المحموم لامتلاك السلاح النووي، وإذكاء نيران الحروب وتصدير الإرهاب عابراً للحدود. إنَّ هذا الطوفان من الإعدامات والأحكام الجائرة الصادرة بحق السجناء، ولا سيما السجناء السياسيين، ليس إلا البرهان الساطع الذي يُعرّي هذه الحقيقة المأزومة.
إنَّ هذا النظام لا يستمد مشروعيته إطلاقاً من صناديق الاقتراع، بل يفرض سطوته الغاشمة عبر آلة التنكيل والقبضة الأمنية الحديدية. ومن هنا، فإنَّ استشراء القمع المسلط على رقاب المجتمع ليس إلا نتاجاً لذعره الوجودي من شبح الثورة، وتخبطه في عزلة دولية خانقة، وافتقاره التام لأي ركيزة دعم في سياسته الخارجية
لقد تجرّع النظام الإيراني مرارة الإخفاق في استراتيجيته الخارجية المسماة بـ «محور المقاومة»، وفقد قدرته على تصدير الأزمات والفتن ليتخذ منها ترساً يحمي وجوده المتهاوي. إنَّ النظام اليوم يعيش حالة من التخبط والاضطراب في سياساته الخارجية، تماثل تماماً حالة الشلل والانهيار التي تضرب مفاصل سياسته واقتصاده في الداخل
المقاومة في إيران وتوسعها
بإزاء هذا المنحدر الذي يهوي بالنظام نحو الزوال، تتبدى حقيقة راسخة لا ريب فيها؛ وهي أنَّ مقاومة الشعب الإيراني في تنامٍ مطرد، وهي تُدني في كل إشراقة شمسٍ موعدَ الإطاحة النهائية بهذا الاستبداد. لقد تغلغلت شبكة المقاومة في أوصال المحافظات كافة، محققةً قفزاتٍ نوعية على مختلف الأصعدة والمستويات، فيما يتهافت جيل الشباب – في الداخل والشتات – للانخراط في صفوف حركتكم المناضلة بكل عزمٍ وإصرار.
واليوم، يتجلى المأزق الوجودي الأشد وطأةً على كاهل النظام في هذا الزحف الهادر للشعب ووحدات المقاومة نحو انتفاضةٍ عارمة ومنظمة، تلوح في الأفق لترسم نهاية عهد الطغيان
حلول غير واقعية
لقد أوضحت التطورات الأخيرة، بقدر ما جعلت وضع إسقاط النظام جليًا لا يرقى إليه الشك، أحبطت أيضًا ما يُسمى بالحلول والمسارات الزائفة. البدائل المزيفة لا ترتكز على الواقع. كان البعض يعلق آماله على تدخل الدول والقوى، بينما كان آخرون ينتظرون تغييرًا من داخل هذا النظام الإجرامي، وكلا الاتجاهين باء بالفشل. كما كان هناك من يصف سياسة المهادنة مع الاستبداد الديني، سعيًا وراء مصالحهم التجارية والدبلوماسية، وقد مُني هؤلاء أيضًا بالفشل. لقد حذرت المقاومة الإيرانية مرارًا وتكرارًا من أن سياسة المهادنة تفتح الطريق أمام النظام الإيراني لإشعال الحروب، وهذا ما حدث بالفعل.
الحل الثالث
بمواجهة تلك البدائل الصُّورية والمزيّفة، تجلّت أصالة البديل الذي طرحته المقاومة الإيرانية ورسوخ جذوره؛ ألا وهو الحل الثالث الذي ينصّ على حتمية إسقاط النظام بلسان الشعب وسواعد المقاومة. إنها مقاومةٌ ترتكز على طليعةٍ مقاتلة وقوةٍ مضحيّة، جعلت من الاستقلال والحرية ميثاقاً غليظاً، وقبلةً وطنيةً لا تحيد عنها الأنظار.
إيران الحرة غدًا
خلال مرافعتها التاريخية في رحاب البرلمان الأوروبي في العاشر من ديسمبر 2025، وتزامناً مع الاحتفاء الدولي باليوم العالمي لحقوق الإنسان، اعتلت السيدة مريم رجوي المنصة في مؤتمرٍ حاشد تحت عنوان «مع الشعب الإيراني من أجل السلام والأمن العالمي»، حيث أعلنت بلهجة الواثق:
«إنه لمبعثُ فخرٍ واعتزاز أن نرى اليوم، تحت لواء جبهة الشعب الإيراني، اصطفافاً مهيباً وتلاحماً متزايداً لشخصيات وقوى سياسية – على اختلاف مشاربها وتعدد قومياتها – وهي تلتفّ بصلابة خلف ثلاثة ثوابت وطنية مقدسة:
- حتمية الإطاحة بنظام ولاية الفقيه: وهو الاستحقاق الذي لن يوقّعه إلا الشعب الإيراني بنضاله وتضحياته وإرادته الحرة، بعيداً عن أي تدخلٍ أجنبي أو وصايةٍ خارجية.
- مبدأ الفصل الحاسم والنهائي الذي يرفض عودة نظام الشاه كما يرفض بقاء نظام الملالي.
- المبدأ الراسخ لفصل الدين عن الدولة كركيزة لبناء إيران الغد.»
سيكون مستقبل إيران قائمًا على الحرية والديمقراطية والمساواة، وعلى أساس فصل الدين عن الدولة، والمساواة بين المرأة والرجل، والحکم الذاتي للقوميات، وإلغاء عقوبة الإعدام، بالإضافة إلى أن تكون إيران غير نووية.”
الاستنتاجات
لقد لخصت السيدة مريم رجوي في ختام هذا المؤتمر الاستحقاقات المصيرية في الاستنتاجات الجوهرية التالية:
- ديمومة الطغيان وارتداد التوازن: لن يكفّ هذا النظام عن ممارساته القمعية، وسعره في تنفيذ الإعدامات، وهوسه بامتلاك القنبلة النووية، وإحراق المنطقة بنيران الإرهاب حتى لحظة سقوطه الأخيرة. بيد أنَّ العودة إلى توازنه السابق باتت ضرباً من المستحيل، ولن يجد مفرّاً من طوفان الانتفاضة والإسقاط المحتوم.
- مناورات اليأس: إنَّ مساعي خامنئي وزمرته الراهنة، عبر التشدق بـ “المفاوضات” المكررة، ليست سوى استجداء للوقت، ومحاولة بائسة لتأجيل لحظة الانفجار الشعبي الذي سيقتلعه من جذوره.
- انكسار نهج المهادنة: لقد أعلنت السيدة رجوي سقوط سياسة “المهادنة” الغربية التي سادت لعقود؛ تلك السياسة التي حاولت عبثاً ترميم الاستبداد الديني ومصادرة حق الشعب في التغيير الديمقراطي، فكانت النتيجة الوحيدة لها هي تمادي النظام في إشعال الحروب الإقليمية.
الخاتمة: فجر الجمهورية الديمقراطية
تأتي هذه الكلمات كخلاصة مدوية لخطاب السيدة مريم رجوي، تزامناً مع الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي وقتٍ كشف فيه النظام عن وجهه الأكثر دموية بإعدام أكثر من 1950 شخصاً خلال هذا العام فقط— وهو ضعف رقم العام الماضي والنسبة الأعلى منذ 37 عاماً. وقد جاء قرار اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً ليوثق هذا السجل الإجرامي، بما في ذلك مجزرة عام 1988 الرهيبة.
إنَّ إيران اليوم تقف على أعتاب انعطافة تاريخية كبرى؛ حيث تتجابه إرادة الاستبداد مع صمود المقاومة في معركة كسر عظمٍ نهائية. إنَّ هذا الاصطدام لا يعني سوى شيء واحد: اندلاع الانتفاضة المنظمة، وتقويض أركان الاستبداد الديني، وانتقال السلطة إلى أصحابها الشرعيين، لإرساء دعائم جمهورية ديمقراطية تليق بتضحيات الشعب الإيراني وعراقة تاريخه.
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني