شادي حاجي
في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها ، إلى لغة تُتداول في ساحات سياسية عليا. هذا التحول يطرح سؤالًا مقلقاً :
كيف وصل العالم إلى مرحلة يُستخدم فيها المنصب الحكومي — وربما رأس السلطة — كمنصة لصناعة الانقسام بدلاً من احتوائه؟
بيئة دولية مشحونة… ومجتمعات مضغوطة
تتفق تحليلات سياسية واجتماعية كثيرة على أن موجات الاستقطاب الأخيرة ليست صدفة. فالاقتصاد العالمي يعيش دورات من الاضطراب، ووسائل التواصل الاجتماعي تضخم أي خطاب جذري، بينما يشعر ملايين البشر بأنهم مهددون — اقتصادياً أو ثقافياً — فيسهل توجيههم نحو “خصم” ما، حقيقياً كان أو مختلقاً .
وسط هذه الظروف، تزداد قابلية المجتمعات لتصديق الخطابات التي تبسّط المشكلات وتبحث عن كبش فداء، سواء كان مهاجراً أو أقلية أو مجموعة سياسية منافسة.
عندما يكون الخطر قادماً من المنابر الرسمية
الخطير في المشهد الحالي ليس فقط وجود خطاب التحريض على الكراهية، بل مصدره. إذ أصبح مألوفًا أن يتبنّى بعض السياسيين، وحتى قادة دول في مواقع رفيعة، لغة قائمة على الترهيب والتقسيم، رغم ما يفترض أن تقع عليهم من مسؤولية أخلاقية وقانونية لحماية السلم الاجتماعي.
إن استخدام الخطاب الشعبوي القائم على التخويف قد يحقق مكاسب انتخابية قصيرة، لكنه يترك أثراً عميقاً على المجتمع: يعزز هوية “نحن مقابل هم”، يشرعن التمييز، ويخلق بيئة خصبة للعنف الرمزي وربما الفعلي .
لماذا يلجأ بعض القادة إلى هذا الخطاب؟
غالبًا لثلاثة أسباب رئيسية:
تعبئة جماهير غاضبة تبحث عن تفسير سريع لمشكلاتها.
تحويل الأنظار عن أزمات اقتصادية أو فساد أو فشل إداري.
تضييق مساحة الحوار لصالح استقطاب يضمن الولاء السياسي.
هذا الأسلوب ليس جديدًا، لكن خطورته تتضاعف عندما يأتي من أعلى هرم السلطة، لأنه يكتسب حينها شرعية ضمنية حتى لو لم يُعترف بها رسميًا.
هل هذه ظاهرة عالمية؟
لا يمكن القول إنها عالمية بالكامل، لكنها منتشرة بما يكفي لتثير القلق. ففي مقابل دول تشهد صعودًا في خطاب الإقصاء، توجد دول أخرى اتخذت مواقف حازمة لمكافحة العنصرية، سواء عبر قوانين صارمة أو عبر خطاب إعلامي وسياسي مسؤول يواجه التطرف ولا يتماهى معه.
ما الطريق إلى الأمام؟
إذا أردنا الحد من هذا الانحدار، فالحلول ليست معقدة، لكنها تحتاج إرادة سياسية ومجتمعية:
إعلام مسؤول لا ينساق خلف الإثارة.
محاسبة سياسية لأي خطاب يمس وحدة المجتمع.
تعليم يرسخ قيم المواطنة والتنوع منذ المراحل المبكرة.
حماية المنابر الرسمية من الاستخدام الشعبوي.
تشجيع الحوار بين الفئات المختلفة بدلًا من شيطنة بعضها.
خاتمة
العنصرية والكراهية لا تنشأ من فراغ، لكنها تتغذى على الفراغ الذي تخلّفه السياسة عندما تفقد بوصلتها الأخلاقية.
وعندما يتحول المنصب الحكومي من موقع لقيادة الجميع إلى منصة لتقسيمهم، يصبح المجتمع كله في دائرة الخطر.
ربما لا نستطيع التحكم بما يقوله العالم السياسي، لكن يمكننا أن نختار كيف نتفاعل معه… وهل نسمح له بأن يحدد شكل مجتمعنا أم نرسمه بأنفسنا .
وإلى مستقبل أفضل
ألمانيا في١٣/١٢/٢٠٢٥