باراك .. راعي الفوضى السورية، هل يُسلَّم الكرد و كل المكونات الديمقراطية إلى الذبح بموافقة أمريكية؟

خوشناف سليمان

تمر سوريا اليوم بلحظة حرجة من إعادة ترتيب القوة. مرحلة لا تُعلن عن نفسها في بيانات رسمية. لكنها تتكشف في الوقائع اليومية من السويداء جنوبًا مرورا بالساحل إلى الشمال الشرقي المحاصر تحت التهديد التركي. حيث تتداخل مصالح دمشق و أنقرة و طهران و موسكو و واشنطن في شبكة معقدة لا مكان فيها للضعفاء. كل طرف يرسم خطوطه الخاصة. وكل خطوة سياسية تتخذ على الأرض تُعيد رسم الخرائط في صمت. و وسط كل هذا يظهر الوفد الكردي المفاوض وكأنه يسير على أرض غير مستوية. لا يعرف وزن خطواته. و لا يمتلك الخرائط التي تُمكنه من مواجهة هذه القوى المتصارعة.
الوفد الذي يُفترض أنه يمثل ملايين الناس يبدو منفصلًا عنهم. خائفًا. معتذرًا. حذرًا أكثر من اللازم. و كأنه يحاول الحفاظ على صورة النجاة بدل أن يحمي المشروع السياسي الذي ضحّى من أجله آلاف الشهداء. هذا الانفصال بين الواقع الشعبي وطريقة تمثيله السياسي هو أخطر ما تواجهه القضية الكردية اليوم. و أكثر ما يسهّل للآخرين فرض خطوطهم على الأرض.
في الخلفية. يتحرك المبعوث الأميركي توماس باراك. ليس كوسيط حيادي. بل كمنظّم للإيقاع السياسي و العسكري في المنطقة. دوره لا يتجلى في إصدار بيانات أو اتخاذ قرارات صاخبة. بل في إدارة مسار التحولات من بعيد. بطريقة تحفظ مصالح الولايات المتحدة. و تسمح لها بضبط السقف السياسي لكل الأطراف. أميركا لا تريد انتصارًا كاملًا للحليف. و لا انهيارًا شاملًا له. هدفها إدارة توازن هش. يبقي الجميع على خطوط مرنة من السيطرة. ويحول دون وقوع فوضى شاملة أو انقلاب سريع على الموازين.
ما يفعله باراك يمكن اختصاره في ثلاثة محاور: 

أولًا. ضبط الإيقاع السياسي بحيث لا تتسرع المفاوضات ولا تتوقف. بل تبقى تحت السيطرة الأميركية.
ثانيًا. تحديد السقوف: لا اعتراف دستوري كامل للإدارة الذاتية. و لا عودة شاملة للسلطة الأمنية التقليدية للنظام.
ثالثًا. منع الانهيار الأمني لقسد. القوة التي أثبتت أنها الأكثر قدرة على مواجهة داعش و الحفاظ على استقرار نسبي في المنطقة. و التي لا يمكن السماح بسقوطها مهما اشتدت الضغوط.
أما البرامج التي تتحرك فوق الأرض. فهي معقدة أكثر من أي وقت مضى. تركيا تسعى لتأمين مناطق عازلة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. دمشق تريد استعادة سيطرتها الشكلية. إيران تبحث عن خطوط ربط جديدة. و روسيا تحاول تثبيت النظام بأي ثمن. بينما الولايات المتحدة تحرص على إدارة التوازن دون أن تُدخل نفسها في معركة مباشرة. وفي وسط هذا المشهد المعقد. تبقى الإدارة الذاتية و قسد القوة الأكثر انتظامًا على الأرض. و القادرة على الصمود. لكنها تحتاج ممثلًا سياسيًا بمقدار قوتها العسكرية.
إن أخطر ما يواجه الكرد اليوم ليس ضعف الدعم الأميركي. و لا صرامة دمشق. و لا التهديدات التركية. بل وفد سياسي ضعيف و غير متماسك. قوة قسد العسكرية ثابتة. و لن تُترك للانهيار. لكن غياب تمثيل سياسي قوي قادر على إدارة التفاوض سيجعل المكاسب التي تحققت في ساحات القتال تتبخر في دهاليز السياسة.
في هذه اللحظة الحرجة. لم يعد السكوت خيارًا. الخرائط التي ترسم الآن لن تنتظر أحدًا. و المستقبل السياسي لا يُكتب إلا بالقوة و التمثيل الحقيقي و الجرأة على المفاوضة بحجم ما دُفع في ساحات الحرب. قسد قوية. و شعبها صامد. لكن من لا يشبه شعبه في غرفة التفاوض قد يضيّع ما بناه هذا الشعب بالدم و الجهد.
المعادلة واضحة: الحلم لم ينتهِ. لكنه خرج من مرحلة الوعود إلى زمن الامتحان. و المستقبل لن يُحسم إلا إذا امتلكت القوى الديمقراطية صوتًا حقيقيًا. و تمثيلًا متينًا. و قدرة على المواجهة و إلا فإن الخرائط ستُكتب فوقهم. وليس معهم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…