خطاب أوجلان بين الاشتراكية وإنكار المسألة القومية الكردية

ديسم سيتي

يؤكد عبد الله أوجلان، في رسالته الأخيرة، أن حزب العمال الكردستاني “أنجز مهمته التاريخية” عبر تأمين الوجود القومي للشعب الكردي. غير أن هذا الادعاء يصطدم مباشرة بالواقع السياسي والقانوني في تركيا، حيث لا يزال الدستور يُنكر الوجود القومي للأكراد، ولا تعترف الدولة باللغة الكردية كلغة رسمية أو لغة تعليم. في ظل هذه الوقائع، يصبح سؤال “ما الذي تم إنجازه فعليًا؟” سؤالًا مشروعًا وملحًّا.

الأكثر إثارة للقلق أن خطاب أوجلان، بدل أن يواجه هذا الإنكار المستمر، يتجنّب الصدام مع جوهر الدولة القومية التركية، بل يطرح بديلًا نظريًا يقوم على تجاوز الدولة نفسها. هذا الطرح ينسجم، عمليًا، مع الموقف القومي التركي الرافض لأي مشروع دولة كردية مستقلة، ويُفرغ النضال الكردي من بعده القومي الأساسي.

تُظهر اللغة التي يُخاطَب بها أوجلان داخل المنظومة السياسية التركية أنه لم يعد يُنظر إليه بوصفه خطرًا على البنية القومية للدولة، بل كجزء من نقاشها الداخلي حول إدارة المسألة الكردية. وهذا التحوّل يدفع إلى إعادة تقييم موقع خطابه ودوره الفعلي في الصراع القائم.

في رسالته إلى مؤتمر حزب DEM في إسطنبول، يركّز أوجلان بشكل شبه حصري على الاشتراكية، والنقد الماركسي للدولة القومية، وجدلية الدولة والكوميون، مع إصرار واضح على أن ربط حق تقرير المصير بالدولة القومية يُعد “انزلاقًا برجوازيًا”. غير أن هذا الطرح يتجاهل حقيقة أساسية: أن الدولة القومية لم تكن يومًا خيارًا أيديولوجيًا للأكراد، بل مطلبًا وجوديًا في مواجهة سياسات الإنكار والإقصاء.

السؤال الجوهري هنا ليس في صلاحية الاشتراكية كنظرية، بل في حق أوجلان أو أي تيار آخر في تحويل الشعب الكردي إلى ساحة اختبار لمشاريع فكرية تتجاوز مطالبه القومية المباشرة. فإذا كانت الاشتراكية خيارًا، فهي خيار سياسي طوعي، لا بديل مفروض عن حق تقرير المصير.

إن الدعوة إلى “أمة ديمقراطية” و”جمهورية بلا دولة” قد تبدو جذابة في النقاشات النظرية، لكنها تفقد الكثير من معناها عندما تُطرح على شعب ما زال يُنكر وجوده القومي رسميًا. فبينما تحتفظ الأمم الأخرى في المنطقة بدولها وحدودها، يُطلب من الأكراد القبول بنموذج بلا سيادة ولا اعتراف قانوني.

في هذا السياق، لا يمكن اعتبار إعلان “نهاية المهمة التاريخية” سوى إعلان مبكر يتجاهل الوقائع السياسية، ويتجاوز جوهر القضية الكردية: الحق في الاعتراف القومي وتقرير المصير على أساس المساواة مع باقي شعوب المنطقة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، نحتفل مع الشعب السوري بمختلف أطيافه بالذكرى الأولى لتحرير سوريا من نير الاستبداد والديكتاتورية، وانعتاقها من قبضة نظام البعث الأسدي الذي شكّل لعقود طويلة نموذجاً غير مسبوق في القمع والفساد والمحسوبية، وحوّل البلاد إلى مزرعة عائلية، ومقبرة جماعية، وسجن مفتوح، وأخرجها من سياقها التاريخي والجغرافي والسياسي، لتغدو دولة منبوذة إقليمياً ودولياً، وراعية للإرهاب. وبعد مرور…

إبراهيم اليوسف ها هي سنة كاملة قد مرّت، على سقوط نظام البعث والأسد. تماماً، منذ تلك الليلة التي انفجر فيها الفرح السوري دفعة واحدة، الفرح الذي بدا كأنه خرج من قاع صدور أُنهكت حتى آخر شهقة ونبضة، إذ انفتحت الشوارع والبيوت والوجوه على إحساس واحد، إحساس أن لحظة القهر الداخلي الذي دام دهوراً قد تهاوت، وأن جسداً هزيلاً اسمه الاستبداد…

صلاح عمر في الرابع من كانون الأول 2025، لم يكن ما جرى تحت قبّة البرلمان التركي مجرّد جلسة عادية، ولا عرضًا سياسيًا بروتوكوليًا عابرًا. كان يومًا ثقيلاً في الذاكرة الكردية، يومًا قدّمت فيه وثيقة سياسية باردة في ظاهرها، ملتهبة في جوهرها، تُمهّد – بلا مواربة – لمرحلة جديدة عنوانها: تصفية القضية الكردية باسم “السلام”. التقرير الرسمي الذي قدّمه رئيس البرلمان…

م. أحمد زيبار تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم كأنها تقف على حافة زمن جديد، لكنها تحمل على كتفيها ثقل قرن كامل من الإقصاء وتكرار الأخطاء ذاتها. بالنسبة للكرد، ليست العلاقة مع الدولة علاقة عابرة بين شعب وحكومة، بل علاقة مع مشروع دولة تأسست من دونهم، وغالباً ضدّهم، فكانت الهوة منذ البداية أعمق من أن تُردم بخطابات أو وعود ظرفية….