بنكین محمد
في كل مرحلة يمرّ بها شعبٌ يبحث عن خلاصه، يخرج من الظلال نوعٌ جديد من الدخلاء:
أشخاصٌ بلا قيمة، بلا وعي، بلا تاريخ، لكنهم يصرّون بكل خفة على الجلوس في المقدمة… وكأنّ الصف الأول سيمنحهم ما حُرموا منه طوال حياتهم: احترام الناس.
إنهم أولئك الذين نحاول تجنّب الكتابة عنهم، ليس احتراماً لهم—فهم لا يستحقون الاحترام—بل لأن القرب منهم يُشبه الوقوف قرب حفرة نفايات:
رائحةٌ ثقيلة… وضجيج بلا معنى… وتفاهم مستحيل.
هؤلاء الذين نصادفهم في كل مناسبة، يتدافعون، يتوسلون، يدفعون، ينافقون… فقط ليظهروا في صورة.
لا يهم إن كانت المناسبة وطنية أو خدمية أو حتى عزاء! المهم أن يظهروا. المهم أن يحملوا الميكرفون. المهم أن يقفوا أمام الكاميرا، حتى لو كان الحدث أكبر من حجم عقولهم بألف مرة.
إنهم المصابون بمرض اسمه: الهوس بالسراب
سراب الظهور، سراب الشهرة، سراب القيادة، سراب الحضور الاجتماعي.
بعضهم مستعد لبيع كرامته، وسمعته، وأخلاقه، وقضيته… وكل ما يملك من احترام ذاتي، مقابل جلوس ثوانٍ في صفٍ أول لم يُصنع لهم أصلاً.
نرجسية بلا غطاء… وتفاهة بلا قاع
المشكلة ليست فقط أن هذا النوع من البشر فارغ.
المصيبة أن فراغه صاخب.
فراغٌ يعتقد أنه رأي، وجهلٌ يقدّمه على أنه وعي، ونرجسيةٌ يظنها البعض كاريزما
هؤلاء يركضون في كل اتجاه، يقتحمون الاجتماعات، يلتصقون بالمسؤولين، يروّجون لأنفسهم عبر صفحاتهم كما لو أنهم صانعي قرار، بينما الحقيقة هي أنهم مجرّد كومبارس في مسرحية رديئة، لم يُسمّهم أحد، ولم يطلبهم أحد، ولم يحتجهم أحد.
ومع ذلك… يظهرون.
يصرّون على التشويش.
يملؤون الفضاء بضجيجهم الفارغ.
يحاولون جرّ القضايا الكبرى إلى مستواهم المنخفض، لتبدو بحجمهم التافه.
حين يتحول الوطن إلى خلفية لمشهد تافه
ما يفعله هؤلاء ليس استعراضاً فقط… بل إساءة مباشرة لمفهوم العمل العام.
قضايانا ليست هشة لكي يحملها شخص يبحث عن الإعجابات، ولا صغيرة ليختصرها شخص يتسوّل التقدير من منظّم حفلة أو موظف بروتوكول.
الوطن أكبر من صوركم.
القضية أعمق من أصواتكم.
المصلحة العامة أثمن من نرجسيتكم.
لكنكم لا تفهمون.
ولا تريدون أن تفهموا.
لأن الفهم يحتاج وعياً، والوعي يحتاج أخلاقاً، وأنتم بلا الاثنين.
الجلوس في الصف الأول لا يصنع رجلاً… ولا امرأة
قد يجلس بعضكم في الصف الأول، ولكن الحقيقة القاسية أنكم:
في آخر الصفوف أخلاقاً ووعياً ومكانة.
قد ترفعون ميكرفوناً، لكن المجتمع كله يعرف أن لا شيء لديكم لتقولوه.
قد تظهرون في الصورة، لكنكم لا تظهرون في ضمير أحد.
وقد تتصدرون مشهداً، لكنكم لن تتصدروا ذاكرة شعب.
أنتم مجرد ظاهرة صوتية، فقاعة ضجيج، ضوء ضعيف ينطفئ عند أول موقف جدي.
الحل؟
عزل هذه النماذج كما يُعزل الفيروس
على المجتمع أن يُقصيكم، أن يضعكم في الهامش الذي خرجتم منه، وأن يمنعكم من تلويث الشأن العام أكثر مما لُوّث.
فأنتم لستم قادة، ولا وجهاء، ولا أصحاب رأي…
أنتم مجرد مستهلكين للضوء، ظلالٌ تتسول الحضور، وأقزامٌ تُنفخ لتبدو بحجم أكبر من حقيقتها.
وستبقون كذلك… مهما حملتم من ميكرفونات، ومهما تكسّرتم لأجل صورة، ومهما ركضتم خلف الصفوف الأمامية.
فالتاريخ لا يكتب أسماء الباحثين عن ترند…
بل يكتب أسماء من يخدمون الوطن… لا من يخدمون غرورهم.
================