رسمية حسن
في الآونة الأخيرة برزت بين بعض الأصوات العنصرية من الإخوة العرب السوريين محاولات لاستخدام مهن بسيطة كأداة للإساءة إلى الكورد عبر مصطلحات من قبيل (بويجية) وعلبة بويا وغيرها من العبارات التي تستهدف الانتقاص من الناس عبر مهنهم. والحقيقة أن مثل هذا الخطاب لا يعكس قوة من يردده بل يكشف جهله بمعنى الكرامة فالشرف لا يُقاس بنوع العمل بل بنظافة اليد وطهارة السلوك ولو كان معيار الاحترام هو طبيعة المهنة لوجب على هؤلاء أن يراجعوا تاريخهم من الذي عمل المهنة البويجية فهل ينتقص ذلك من مكانته؟ قطعاً لا. والمؤسف أن من يزدري العامل البسيط الذي يكسب رزقه بعرق جبينه يتجاهل أن هذا البويجي الذي يسعون للسخرية منه أشرف بما لا يقاس من ذلك الذي يدّعي الثورة وهو يمارس السطو والنهب أو المتستر بلباس الدين وهو يبرر سرقة أموال الناس باسم الغنائم. والمفارقة أن مهنة تلميع الأحذية لم تكن يوماً موضع سخرية في الوجدان الإنساني بل حظيت بحضور لافت في السينما العالمية والفن التشكيلي والأدب حيث تناولتها أفلام ولوحات شهيرة باعتبارها رمزاً للكفاح الإنساني الشريف من أعمال هندية وأوروبية ولبنانية إلى لوحات فنانين كبار مثل لؤي كيالي وغيرهم ممن خلدوا هذه المهنة بوصفها تجسيداً للكدّ والكرامة. وتاريخ هذه المهنة يعود إلى أوروبا الغربية قبل أن ينتقل إلى بلاد الشرق والمناطق العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر مع ظهور الأحذية الحديثة التي تحتاج إلى تلميع وشهدت مدن مثل بيروت ودمشق رواجاً كبيراً لها حتى تأسست نقابات خاصة ضمّت المئات من العاملين. والأهم أن مهنة مسح الأحذية كانت محطة في حياة شخصيات عالمية لاحقاً حققت نجاحات كبيرة، مثل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا والملاكم مايك تايسون والكاتب محمد شكري وغيرهم ممن بدأوا حياتهم بالأعمال البسيطة قبل أن يصبحوا رموزاً عالمية. وعند العودة إلى سجلات نقابة ماسحي الأحذية القديمة في دمشق وبيروت يظهر بوضوح أن العاملين في تلك المهنة كانوا في معظمهم من أبناء تلك المدن ولم يُعثر على أي اسم كوردي ضمنها تماماً كما تظهر الصورة التاريخية المؤرخة عام 1908 والتي تجمع مجموعة من ماسحي الأحذية الدمشقيين وجميعهم سوريون لكن دون وجود أي شخص كوردي بينهم. وهكذا يتبين أن الخطاب العنصري الذي يحاول البعض من خلاله ربط الكورد بهذه المهنة لا يستند إلى أي أساس تاريخي أو اجتماعي وأن من يستخدم هذه المصطلحات لا يسيء للكرد بقدر ما يكشف ضحالة وعيه وابتعاده عن قيم العمل والإنسانية.