الأخوة فوق الخلاف: رسالة مسعود بارزاني من قلب العاصفة

ماهين شيخاني

من بين رماد الحروب والصراعات، تطلّ كلمات الرئيس مسعود بارزاني كنداء إنساني يعلو فوق ضجيج السياسيين. تتردد أصداؤها في أودية كوردستان الشامخة، حاملةً رسالة واضحة كضوء الشمس: “الأخوة بين الكورد والعرب أكبر من الخلافات بين الحكومات”. إنها حكمة تأتي من رجل عاصر العواصف وعرف أن جذور الشعوب أعمق من متاهات السياسة.

لطالما كان الكورد والعرب جيراناً قبل أن يصبحوا خصوماً، شركاء في الأرض قبل أن تفرقهم الحدود. لقد تقاسموا الخبز والملح في سهول الموصل وحلب والجزيرة، وبنوا معاً حضارات متداخلة كخيوط النسيج الواحد. كانت أسواقهم المشتركة تعج بحياة لا تعرف هوية إلا هوية الشراكة، وتختلط في لهجاتهم كلمات كوردية وعربية كدليل على تعايش عمره قرون.

لكن السياسة جاءت لتحول هذا التعايش إلى ساحة صراع. بينما يقول السياسيون إن “الكورد تهديد للوحدة”، كان الجيران يتقاسموا الأفراح والأتراح في الحياة اليومية. وبينما يصرخ آخرون بأن “العرب أعداء التاريخ”، كان الطلاب يتشاركون المقاعد في المدارس والجامعات. لقد برهنت المأساة السورية على هذه الحقيقة، ففي الرقة والحسكة دافع الكورد عن جيرانهم العرب، وفي كوباني جاء متطوعون عرب لمساعدة أهالي المدينة. الشعب يعرف من صديقه، أما السياسي فلا يعرف سوى خصمه.

إن بناء المستقبل يحتاج إلى استعادة الذاكرة المشتركة التي دمرتها السياسة. يجب أن نحيي تاريخ التعايش لا تاريخ الصراع، ونوثق قصص التعاون بدل حكايا الحروب. فنفط كركوك ثروة للعراقيين جميعاً، ومياه دجلة حياة للكورد والعرب معاً، وطريق الحرير جسر للتبادل لا للعداء. لن يتحقق هذا إلا بدستور يعترف بالكورد والعرب كشركاء، وبدولة تكون للجميع لا لفئة دون أخرى.

كلمات الرئيس بارزاني “الخلافات تزول.. والأخوة تبقى” ليست شعاراً، بل هي فلسفة حياة عرفها أجدادنا وغفل عنها أحفادنا. فالكورد لم يكونوا يوماً غرباء عن العرب، بل هم أبناء هذه الأرض مثلهم. والعرب ليسوا أعداءً، بل إخوة في الوطن والمصير.

لو تركنا السياسة للسياسيين، وتركنا الأخوة للشعوب، لكان حالنا أفضل. فالتاريخ سيحكم على من زرع الفرقة، بينما ستذكر الأجيال من غرس المحبة في تربة كان يظن الجميع أنها جرداء.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…