دلدار بدرخان
هل تعلمون يا سادة أن ما يُسوَّق له اليوم على أنه إنجاز عظيم، وما يُعلن عنه في المنابر والإعلام تحت رعاية الإدارة السورية الانتقالية، ليس في جوهره إنجازاً ، ولا يحمل ملامح الإعجاز الذي يروّجون له، وإنما هو من البديهيات والأمور الطبيعية التي كانت ستتحقق وبأيسر الطرق لو تسلّمت السلطة أي جهةٍ أخرى تمتلك قليلاً من الرشد،
فلو كنا نملك سلطة ذات خلفية ليبرالية ديمقراطية توافقية، لفُتِحَت الأبواب منذ اليوم الأول من سقوط الطاغية ، ولما احتاج الأمر لسنواتٍ من الدوران في حلقة الوعود، ولا حملات إعلامية تُضخّم المألوف وتمنحه حجم الأسطورة والإعجاز .
وإليكم البرهان:
لو كنا نمتلك إدارة صادرة عن قوى سورية علمانية ليبرالية ديمقراطية تحظى بقبول جميع المكوّنات، لما اعتُبِرَ رفع العقوبات إنجازاً أصلاً، لأن رفعها كان سيكون نتيجة طبيعية لثقة المجتمع الدولي ، وليس ثمرة صفقات طويلة و تنازلات وتحركات مرتبكة.
ولو كنا نمتلك سلطة لا تنهض على التشدد العقائدي ولا على العصبيات الضيقة، لفتحت العواصم أبوابها للرئيس والوزراء دون الحاجة لتمهيد شاق، ولا لمساومات تُرهق صورة الدولة، ولا لحملات علاقات عامة تُغطي هشاشتها.
ولو كانت لدينا سلطة ديمقراطية وتمتلك شرعية مستمدة من السوريين لا من الأيديولوجيا، لما احتجنا إلى كل هذه التنازلات التي تُقدَّم اليوم على مذبح الاعتراف الدولي، فالاعتراف حين تكون السلطة طبيعية ومنفتحة يأتي تلقائياً ، ويأتي بلا طَرقٍ على الأبواب ، ولا خضوعٍ لإملاءات القوى الكبرى.
ولو كانت لدينا سلطة غير متشددة ، ومنفتحة على العالم، لشهدنا الإعمار يبدأ منذ الشهور الأولى، ولرأينا الشركات تتدافع نحو الاستثمار، ولامتلأت المدن بمشاريع نهوضٍ عمراني واقتصادي، ولعاد رأس المال السوري من منافي القهر،
ولانتعشت الأسواق، وفُتِحَت المصانع، وتشجّع الشباب على العودة بدل الهجرة، ولتحول الوطن إلى ورشة عملٍ حقيقية،
ولما ضاعت السنوات في الركود والمراوحة والتنازلات على حساب سيادة الدولة وقوت الشعب .
ولكنا سنرى أيضاً ملفات العدالة الانتقالية تُفتَح بشجاعة، وملفات الفساد تُكشَف بلا خوف، وملفّات المفقودين تُعالَج بروح الدولة لا بمنطق الميليشيا، ومؤسسات الحكم تُبنَى على المهنية لا الولاء، والإعلام يُطلِق صوته بلا قيد، والمدارس والجامعات تُنقّي من الخطاب المتطرف، والحدود تُضبط وفق مصالح الدولة لا رغبات القوى، والدستور يُكتب بإجماع السوريين لا بإملاء فئة واحدة.
ولكنا باختصار سنكون أمام دولة، لا بنية مشدودة بخيوط الأيديولوجيا، ولا إدارة تتعثر في كل خطوة لأنها تخشى الضوء ، فما يسمونه اليوم “إنجازات” ليس إلا ظلالاً لأشياء كان يمكن أن تكون طبيعية، وكان يمكن أن تتحقق فوراً ، وكان يمكن أن تنقذ هذا البلد من سنوات الضياع .