القضية الكردية… ليست فكـرةً تُجرَّب، بل أمّةٌ تنهض

صلاح عمر

القضية الكردية لم تكن يوماً لعبة مفاهيم تُصاغ في غرفٍ مغلقة، ولا مشروعاً سياسياً معلّباً يبحث عن غلافٍ براّق ليبيع الوهم للآخرين. ليست “فلسفة” طوباوية تُفتَّش عن معنى لنفسها في مختبرات التنظير، ولا صيغةً مُلتبسة تُختزل تحت وسم “أمة ديمقراطية” لتبرير واقعٍ مفروض قسراً على الناس.
القضية الكردية أبعد من ذلك بكثير… أعمق من التعريفات، وأكبر من الشعارات، وأصدق من كل محاولات التلميع أو التحريف.

هي لم تكن يوماً مطالبةً بفتات “حقوق ثقافية” تُمنح على استحياء، ولا استجداءً لمواطنة مبتورة يُراد بها تحويل الشعب الكردي إلى طارئٍ على خرائطٍ هو صاحب جذورها منذ فجر الحضارة.
القضية الكردية — في جوهرها — كانت وستبقى ثورة شعبٍ كامل، شعبٍ يبحث عن حريته المهدورة، وكرامته التي دُفنت مراراً تحت أنقاض السياسات العنصرية، ووجوده الذي حاولت الحدود تقطيعه كما تُقطّع الخرائط الباردة جسداً حيّاً يصرخ بالحياة.

إنها صرخة أمةٍ يتجاوز تعدادها الثمانين مليوناً في قلب أربع دول، حاولت الأنظمة إسكاتها فارتفع صوتها، وحاولت إذابتها فاشتعلت فيها جذوة الحياة، وحاولت تفريقها فازدادت توحداً حول ما لا يمكن مصادرته: الهوية.

القضية الكردية ليست طلباً على طاولة الساسة، بل قصة الإنسان الكردي الذي رفض أن يتحوّل إلى هامشٍ في كتابٍ كتبه الآخرون.
الإنسان الذي حُوصر بلغته فلم يتخلَّ عنها، وقُمعت ذاكرته فحفظها في الأغاني والجبال، وتكسّرت خرائط العالم فوق رأسه فاعتلى قمم بلاده ليقول:
“أنا هنا… وهذه الأرض تعرفني كما أعرفها.”

إنها قصة شعبٍ أراد أن يكتب سطره بيده، فسار على دروب وعرة نحو الحرية، ووقف في وجه دولٍ وجيوشٍ واتفاقياتٍ كُتبت فوق طاولة الخيانة. ومع ذلك، لم ينكسر، لأن الروح التي تعيش في الجبال لا تُهزَم، ولأن الحقيقة التي يحرسها الوعي لا تُمحى.

القضية الكردية اليوم ليست ماضياً يُستذكر، بل وعيٌ يُستنهض، ومسارٌ يُعاد رسمه، وإرادةٌ تتجدد جيلاً بعد جيل.
هي مشروع كرامة، وصرخة حياة، وقَسَم أمّةٍ قررت ألا تكون ظلّاً بعد اليوم، بل أن تكون ذاتها كاملةً كما أرادها التاريخ.

هذه ليست قضيةً تبحث عن اعتراف…
هذه قضية تُطالب العالم بالاعتراف بنفسه حين يقف أمام مرآتها.

إنها — وبكل وضوح — قضية الحرية في شكلها الأصدق، والكرامة في شكلها الأسمى، والإنسان حين يقول:
لن أعيش إلا واقفاً… ولن أكون إلا أنا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…