زاهد العلواني آل حقي
الكرد في تركيا، علموا أن مستقبل المشاركة لا يُصنع بالسلاح بل “بالعلم والقلم”.
حين أنظر إلى واقع أهلنا الكرد في تركيا اليوم، بعيداً عن ضجيج السلاح وخطابات الصدام، نرى أنّ ثمة تحوّلاً هادئًا يتكوّن داخل المجتمع التركي نفسه. فالكرد – رغم العقود الصعبة التي مرَّت بهم – باتوا اليوم جزءاً من مفاصل الدولة، في الوزارات والجامعات، في القضاء، في البلديات، في البرلمان، وفي المؤسسات الاقتصادية، مثل البنوك والبورصة.
هذا التقدّم لم يتحقّق بفضل البنادق ولا عبر سياسات التدمير ، بين pkk والجيش التركي لغاية 2004، بل جاء نتيجة العمل، والتعليم، والانفتاح على الدولة، وفرض الذات من خلال الكفاءة بجهود الأبناء على حسابهم الخاص، بعيداً عن العنصرية، التي لم تجلب للكرد في تركيا سوى الخسائر والتضييق، وأخيراً فهموا أن لغة السلاح لم يجلب سوى الويلات، فألقوا السلاح وتوجهوا للسياسة.
اليوم جيل جديد من شباب الكُرد يتشكّل، وشراكة قادمة عبر الكفاءة
من خلال جيل قادم من أبناء المواطنين الأتراك والكُرد، نعم، سيكون للكرد في تركيا وزن سياسي وإداري أكبر من وقت مضى، ليس لأن الدولة تغيّرت وحدها، بل لأن الكرد والتُرك غيُّروا مابأنفسهم فتغيّروا .
فأرتفع مستوى التعليم لدى شباب الكُرد بشكل كبير. فأزداد حضورهم في الاختصاصات العلمية والطب والهندسة والإدارة والتجارة .
فظهرت لدينا طبقة قوية من رجال الأعمال الكرد في جميع الميادين، وأظهروا وطنيتهم، فأصبحوا شركاء في النهوض بتركيا .
أصبح هناك وعي واسع بأن المشاركة هي الطريق الوحيد لضمان الحقوق.
ومع هذا التراكم، ستكون تركيا – شئنا أم أبينا – أمام واقع جديد ، حكم مشترك، وتأثير مشترك، ومستقبل سياسي يشترك فيه الكرد والترك معاً، خلال الأنتخابات القادمة، سنرى دستوراً جديداً، بصيغة وطنية تعترف بالجميع، فاليوم نائب الرئيس ، وزير الخارجية ، وزير المالية، وزير الصحة، هم من الكُرد، هذا عدا المدراء العامين في دوائر الوزارات.
وهنا يأتي دوركم…
(((( يا كرد سورية))))
لا تنظروا إلى التجربة التركية فقط من زاوية الصراع، بل من زاوية ” النجاح “، الكرد في تركيا لم ينتظروا “الحل النهائي” كي يعملوا، ولم يتركوا مصيرهم مرهونًا بسلاح جهة معيّنة. بل أسّسوا لأنفسهم فرصاً واقعية عبر التعليم، التخصص، بناء المجتمع، تحسين الاقتصاد، والمشاركة في الدولة بدل محاربتها، هذه هي الرسالة التي نحتاجها اليوم في الجزيرة السورية، المستقبل لا يُصنع بالصوت العالي ولا بالرصاص… بل بالعلم، وببناء الإنسان، وبخلق نموذج يفرض احترامه.
الدرس الأكبر لنا هي ” الكفاءة ” تصنع نفوذًا
في تركيا، آلاف الطلاب الكرد الذين تخرّجوا، وأصبحوا قضاة وأطباء وأساتذة جامعات ونوابًا… هؤلاء هم من غيّروا صورة الكرد في نفسية الأتراك ، وفتحوا الباب لشراكة سياسية حقيقية، مما جعل السيد أوجلان وحزبه السياسي يلقي السلاح، لأنهم لم يكن يعرفون قيمة العلم والقلم.
وهذا بالضبط ما نحتاجه نحن أيضاً في سورية، كما فعل سروك مسعود ، عندما أهتم بالعلم والجامعات، ظهر أمامنا جيل متعلم، مجتمع متماسك، خطاب وطني شامل مما كسب محبة وأحترام دول المنطقة وشعوبها ، سياسته لا يقطع الجسور مع الدول ولامع باقي المكوّنات التي يعيشون في كنفه، بل كسب القلوب. سروك مسعود الحكيم عَلِمَ أنه يجب التخلي عن وهم “الحكم بالسلاح” الذي لم ينجح في أي مكان، والعمل على النهوض بالوطن، فاليوم ( كردستان أصبحت أنموذجاً في بناء الإنسان والبناء والعمران ).
رسالة ختامية لأهلنا في الجزيرة السورية ليس المطلوب أن نتنازل عن هويتنا ولاحقوقنا، بل أن نختار الطريق الذكي للحصول عليها.
وأن ندرك أن من يملك القلم اليوم يملك الحكم غداً، ومن يبني مدرسة أهم ممن يرفع حاجزًا، ومن يزرع جامعة أقوى ممن ينصب ثكنة عسكرية.
المستقبل في تركيا يتغيّر،
ونريد كُرد سورية يحتذون بنفس الطريق، حينها سندخل المستقبل بعقل واعٍ ورؤية ناضجة.
ليكن خيارنا هو ما اختاره الحكماء عبر التاريخ،
العلم قبل السلاح، البناء قبل المواجهة، والشراكة قبل العداء.
( ودمتم بخير )