دلدار بدرخان
لكي لا أطيل في مقدمات لا لزوم لها، سأدخل مباشرة إلى جوهر ما طرحه الاعلامي فيصل القاسم، وسأعالج أفكاره بنداً بعد بند .
أولاً يقول الإعلامي فيصل القاسم:
1- هل الغرب الذي يطالبنا دائماً بتطبيق الديمقراطية يطبقها فعلاً كما نتصورها؟ أم إنه يحتكم في عمقه إلى قاعدة واحدة لا تتزحزح: حكم الأكثرية العددية والثقافية والدينية؟
الجواب: نعم الغرب لا يمارس ديمقراطيته بالصيغة المثالية المطلقة ، ولكنهم تجاوزوا منذ عقود طويلة فكرة “الأكثرية الطائفية” و”الأكثرية العرقية” وانتقلوا إلى ما هو أرقى وأكثر استقراراً وهو حكم الأكثرية السياسية التي تتشكل عبر صناديق الاقتراع ، وتتبدل مع الزمن، وتُحاسب بقوة القانون،
والحقيقة أن أي مقارنة بين هذا التطور التاريخي وبين واقعنا المختنق بالهويات الطائفية والعرقية ستكون مجحفة ومضللة ، لأن الديمقراطية عندهم هي بنية قانونية ومؤسساتية حية.
ثم يقول:
2- تخيلوا لو أن في بريطانيا أقلية طائفية لا تشكل 3٪ تسيطر على الجيش والإعلام والاقتصاد منذ ستين عاماً، هل يقبل البريطانيون؟
الجواب: بالطبع لا يقبلون ، كما لا يمكنهم أن يقبلوا بأن تحتكر الأغلبية العرقية أو الطائفية مفاصل الدولة بقوة السلاح والسبب بسيط ، لأن الدستور البريطاني يوزع السلطة ويقيّدها بمؤسسات مستقلة لا تسمح لهيمنة دينية ولا طائفية ولا عرقية أن تتحول إلى دولة داخل الدولة ، ولو أرادت أي فئة كبرت أو صغرت السيطرة بالقوة لأفشلها القانون والدستور قبل الناس.
ثم ينتقل ليقول:
3- انظروا إلى ألمانيا هل يحكمها الأتراك المسلمون؟ هل نجدهم في الجيش والسياسة العليا؟
الجواب: نعم يمكن للتركي والعربي والكُردي وسائر المهاجرين في ألمانيا أن ينخرطوا في مفاصل الجيش والإدارة والسياسة بعد حصولهم على الجنسية الألمانية ، وهذا ليس كلاماً نظرياً بل واقعاً ملموساً ، والقانون هناك يعلو على كل انتماء آخر، والولاء يكون للدولة والدستور والشعب ، لا للأصل والعرق ، والطائفة، فبمجرد أن يصبح المواطن ألمانياً يكون متساوٍ تماماً في الحقوق والفرص ، وله أن يترشح للرئاسة والوزارة والبرلمان، وله أن يُحاسَب إذا خالف القانون والدستور ، تماماً كما يُحاسب ” الألماني الأصلي “.
ثم يقول:
4- الغرب لا يطبق إلا ديمقراطية الأكثريات العددية والثقافية، ويترك الأقليات في الحضور الرمزي فقط.
الجواب: لا يا عزيزي الغرب لا يحتكم إلى “أكثرية عددية” قائمة على العرق والطائفة ، بل إلى أكثرية سياسية تنتجها الأحزاب وبرامجها، وتُحددها إرادة الناخبين ، وتتغير بصورة دورية.
فالأقليات هناك ليست زينة رمزية كما تتصور ، وإنما كتل بشرية تتمتع بحقوق كاملة، وقد وصلت بعضها إلى وزارات وقيادات بلدية وبرلمانات.
وبينما تعتمد دولنا على الهويات القومية والطائفية، يعتمد الغرب على الهوية القانونية الجامعة التي لا تُصنف المواطن بحسب أصوله وقوميته .
ويتابع قائلاً :
5- في بلادنا العربية حكمت أقليات لا تتجاوز 3٪ وتحكمت بالجيش والمخابرات والإعلام…
الجواب: وهنا يفهم القارئ أنه يقصد العلويين في سورية، ولكن الحقيقة أبعد من هذا التبسيط.
فسلطة الأسد لم تكن يوماً مشروع “أقلية” بقدر ما كانت مشروع سلطة انقلابية لا شرعية اعتمدت على الولاءات الشخصية والأمنية ، لا على هوية طائفية جامعة.
والأكثرية العربية السنية التي يشير إليها القاسم كانت حاضرة فعلياً وبقوة في الوزارات والسلك الدبلوماسي والجيش والإدارة، ولكن ضمن منظومة ولاء واحدة تدور حول “القائد الديكتاتور ” لا حول كتلة طائفية ، وفي النهاية الجميع أقلية وأكثرية كانوا مجرد أدوات في يد النظام وسلطته .
ويقول أخيراً :
6- لاحظوا ازدواجية المعايير بين ديمقراطية الغرب وديمقراطية الشرق. في الديمقراطيات الغربية لا أحد يجرؤ على المطالبة بمناصفة الحكم بين الأكثرية والأقلية، لأن الجميع يعرف أن هذا ضد المنطق السياسي الطبيعي.
الجواب: يا عزيزي جوهر المسألة مختلف:
فالغرب يحتكم إلى الدستور الذي يمنع تقسيم السلطة على أساس ديني أو عرقي او طائفي ، بينما دولنا تفتقر أساساً إلى دساتير راسخة تضمن حقوق جميع القوميات والطوائف ، وتفتقر إلى مؤسسات مستقلة ، وتفتقر إلى مفهوم المواطنة الذي يجعل الجميع شركاء في الدولة.
والفارق بيننا وبينهم ليس في “الأغلبية” وإنما في الدولة ذاتها ، في ثقافتها و دستورها وقانونها واستقلالها ومؤسساتها.