الكرد أمة تاريخية قيد التشكل

صلاح بدرالدين

هناك شبه اجماع على ظهور الفكر القومي ، وانبثاق دول قومية بداية  القرن التاسع عشر في اوربا ، وقيام الثورة الفرنسية بالدور الأبرز في بلورة الهويات القومية ، وقيام الدول ذات الطابع القومي ، ليس في القارة الأوروبية فحسب بل في مختلف انحاء العالم خصوصا لدى شعوب الشرق الأوسط حيث العديد من بلدانها كانت تحت الانتداب الفرنسي ومن ضمنها سوريا ، وتتالت الاجتهادات الثقافية ، والابداعات الفكرية لدى العلماء الالمان ، والفرنسيين ، والبريطانيين حول تعريف الامة ، والشعب ، والقومية ، والدولة ، وبرزت اختلافات بشان  العامل الأهم في نشوء القومية من لغة ، وعرق ، وتاريخ ، ومصالح اقتصادية ، وعقائد دينية وغيرها .

  لايمكن انكار وجود – الكرد ، في سلسلة جبال زاغروس ، وحوض – ميزوبوتاميا – كمكون متميز لغويا وثقافيا منذ القرون الغابرة ، وجاء على ذكرهم المؤرخ اليوناني – اكزينفون – في كتابه اناباس منذ ماقبل الميلاد ، ومر بمراحل عديدة ، وتعرض في تاريخه للكثير من حملات الإبادة ، والتجزئة ، والالحاق ، كما كان له دور بتاريخ المنطقة ليست مرحلة امبراطورية صلاح الدين الايوبي قبل نحو ٩٠٠ عام الوحيدة ، ولكن ونحن الان في القرن الواحد والعشرين من الصعب القول ان الكرد يشكلون الان امة مكتملة الشروط خصوصا وانهم لايتمتعون الان بجغرافيا موحدة ، وإرادة مشتركة ، وسلطة دولتية جامعة ، وحالة اجتماعية مترابطة ، واقتصاد متكامل ، وقد يجوز القول ان الكرد يفتقدون تلك الشروط ليتحولوا الى أمة ، ولكن نخبهم تأمل بالوقت ذاته من اجل توفيرها .

عوامل مانعة لاكتمال شروط الامة

  ومن ابرزها الجغرافيا السياسية حيث وضعت الحربان العالميتان ، واتفاقية سايكس – بيكو حدودا جديدة وقسمت بموجبها المجزأ الى أجزاء ، وبنتيجة ذلك توزع الكرد وموطنهم بين دول أربعة ، لكل منها دستور وقوانين ، واحوال اجتماعية ، واقتصادية ، وسياسية ولغات رسمية مختلفة ( العربية والتركية والفارسية ) ، واندمج كرد كل جزء بمجتمعه الجديد ، ومنذ جيلين لم يعد التواصل الطبيعي متاحا ، حتى سقف المطالب ، والحقوق في كل جزء يختلف عن الآخر ، والوسائل النضالية للحركات الكردية لم تعد موحدة ، بل ترضخ للظروف الموضوعية ، وموازين القوى السائدة في كل بلد .

  والامر الآخر هو قبول تعبيرات الحركة القومية في الأجزاء الأربعة وهي الأحزاب والتنظيمات السياسية والعسكرية المنقادة من محاور متصارعة ، وقوى اجتماعية ، قبلية تعمل حسب مصالحها الخاصة الامر الواقع السائد ، كما ان العصر الراهن يشهد نزوعا نحو تعزيز الانتماء الوطني على حساب القومي حيث مصالح الطبقات المتنفذة ، وأمراء الحروب تقضي بتوسيع مساحات استثماراتها مع ( المتروبول ) – المراكز التي بيدها مفتاح السياسة والاقتصاد ، والعبور الى بوابات الاقتصاد العالمي ، ويأتي ابتداع جماعات – ب ك ك – لمقولة – الامة الديموقراطية ، مقابل حق تقرير المصير ، بمثابة الاجهاز ليس على فكرة – الامة – فقط  بل وجود الشعب أيضا  .

شعوب كردية تكافح من اجل البقاء

  هناك شعوب كردية في وطنها المجزأ الموزع بين دول سوريا ، والعراق ، وايران ، وتركيا ، تحوز على غالبية عوامل التكون القومي من ارض مشتركة ، وتاريخ واحد ، ولغة موحدة ، وإرادة عامة للخلاص من اشكال الاضطهاد القومي ، وانتزاع الحقوق القومية والديموقراطية ، وإعادة التوازن ، والعيش المشترك بسلام على الصعيد الوطني ، الصراع بين هذه الشعوب كل شعب على حدة من جهة وبين الأنظمة والحكومات السائدة يتمحور حول مقاومة الحركة الكردية للخطط الشوفينية التي تستهدف الوجود والحقوق ، وتحديدا عوامل تكون هذه الشعوب من ارض ولغة خصوصا وفي تجربتنا السورية تجلى ذلك عملية التعريب عبر مخططي الإحصاء الاستثنائي ، والحزام العربي .

  حاولت الأنظمة والحكومات السورية المتعاقبة منذ الاستقلال وحتى سقوط نظام الأسد الاستبداد الشوفيني ، تقويض احد عوامل وجوده من ( تاريخ وجغرافيا وثقافة ، وإرادة )  او جميعها كشعب اصيل قديم ، ليس عبر تجاهله في الدستور ، وكتب التربية ، ومادة التاريخ السوري  ، ومنع الكرد من التملك ، والانتساب للكلية الحربية ، والتوظيف بالسلك الدبلوماسي ( منذ الاستقلال وحتى الان لايوجد سفير كردي واحد او قنصل ) بل من خلال ممارسات عملية من حرمان من حق المواطنة ، ونزوح الى الداخل وتهجير الى الخارج ، وزرع مستوطنات من عرب الطبقة باسم مزارع الدولة ، ولم يكن امرا عاديا ان نشر حزب البعث الحاكم في جريدته النظرية ( المناضل ) صيف ١٩٦٦  ان الكرد السوريين – اقلية – مهاجرة من تركيا ، ومثلهم كمثل الجاليات العربية المهاجرة في أوروبا ، وقد تزامن ذلك مع دفع اليمين الكردي ومنذ ١٩٦٤ الى تبني مقولة – الأقلية الكردية في سوريا – ، وكان من احد أسباب انبثاق اليسار الكردي في الكونفرانس الخامس عام ١٩٦٥ ، وقيامه بتصحيح مسار الحركة الكردية ، ومواجهة مخطط تصفية القضية الكردية السورية ، وذلك بتصعيد النضال ، والتمسك بمبدأ تقرير المصير في اطار سوريا الديموقراطية التعددية ، وان الكرد شعب اصيل مقيم على ارضه الناريخية ، وكذلك الاهتمام باحياء الثقافة الكردية ، وتشكيل رابطة كاوا للثقافة الكردية ، وإقامة الفرق الفولكلورية والفنية ليعلم السورييون والعالم اننا شعب نعيش على ارض الإباء والاجداد ، ولدينا ثقافة ، وتاريخ ، وكل المقومات لنكون شعبا بالرغم مانتعرض له من اساءة ، وتشويه ، واضطهاد قومي .

لم يكتفي النظام البعثي بتنفيذ مخططاته التصفوية الهادفة الى إزالة العلائم والمقومات التي تثبت ان الكرد السوريين شعب مكتمل الاوصاف من خلال مخططاته التي اشرنا اليها أعلاه ومن بينها اختراق الحركة السياسية الكردية في تسعينات القرن الماضي ، واستمالة تيارات تتبنى أطروحة ان  الكرد السوريين – اقلية – وليس شعبا ، بل استمرت بعد فشل المحاولة المنظمة الأولى التي استمرت عدة عقود،  وتراجع مروجيها من اليمين الكردي وافلاسهم ، وذلك بالاعتماد على الوافدين الجدد من جماعات – ب ك ك – التي تقود سلطة الامر الواقع في معظم المناطق الكردية ، وهي كما نعلم من وظائفها الرئيسية تنفيذ وعد زعيمها لحافظ الأسد القاضي بإعادة الكرد السوريين الى موطنهم بالشمال أي تصفية القضية الكردية السورية كقضية شعب ، واخفاء محاولتها تحت بدعة ( الامة الديموقراطية ) التي لاتقل خطورة من خطيئة – الأقلية – .

نجاح مهام الحفاظ على الوجود كشعب مكتمل الأركان في البلدان الأربعة يشكل الأولوية في النضال القومي والوطني الكردي الراهن ، اما اكتمال شروط إعادة تشكل الأمة التي انفرط عقدها منذ أجيال ، فقد دعا مؤسس الفكر القومي الكردي الأول – أحمدي خاني – قبل نحو اربعمائة عام الى توفير شروط بناء الامة الكردية وهو إقامة الدولة ( أعلى مراحل تشكل الامة ) ، فهل ستتوفر العوامل الذاتية ، والموضوعية ، وموازين القوى المحلية والإقليمية ، والدولية  لتحقيق ذلك ، ومتى ؟ وكيف ؟ الجواب برسم الأجيال القادمة  .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…