جنكيز حمدوش
من المقرر ان تجري الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة خلال فترة وجيزة، وهي انتخابات حاسمة لأنها تأتي بعد مرحلة من الازمات السياسية والاقتصادية، وتمثل اختبارا لمدى استقرار النظام الاتحادي وتحديد شكل العلاقة المستقبلية بين بغداد واربيل.
هذه الانتخابات ستحدد من يملك الاغلبية في البرلمان، وبالتالي من يشكل الحكومة، وهذا ما يجعل دور الكرد جوهريا في ترجيح كفة التحالفات باعتبار الكرد مكونا رئيسيا في النظام السياسي العراقي بين القوى الشيعية والسنية. ودورهم لا يقتصر على عدد المقاعد فقط، بل على قدرتهم ترجيح الكتلة الاكبر التي تشكل الحكومة، وهذا الدور يمنحهم قوة تفاوضية في توزيع المناصب السيادية.
لذا فان اجراء هذه الانتخابات سيكون مفصليا للكرد، فاما ان تكون فرصة لتجديد دورهم كشريك اساسي في الدولة العراقية، او لحظة تراجع بسبب الانقسام الداخلي وفقدان التنسيق السياسي. لان القوة الحقيقية للكرد تأتي من وحدة القرار والقدرة على التفاوض من منطلق وحدة الموقف والالتزام بالمصالح القومية على المصالح الحزبية ضمن اطار الدولة الاتحادية.
وان الخروج عن هذه المبادئ لا يمثل الارادة الكردية، اي يجب ان يكون هناك وثيقة مبادئ مشتركة، اي ميثاق وطني كردي يتضمن تثبيت حقوق الاقليم وفق المواد الدستورية، وادارة الموارد النفطية بشكل عادل وشفاف، وموقف موحد من المناطق المتنازع عليها. هذه الوثيقة تعتبر الاساس السياسي الذي يضمن وحدة الخطاب.
لذلك على الطرف الكردي حل الخلافات الداخلية قبل الخوض في الانتخابات، فمن الضروري توحيد الخطاب الاعلامي والسياسي، اي يجب الاتفاق على رسالة اعلامية موحدة تعبر كمكون كردي وطني له رؤية مشتركة لمستقبل العراق، وتجنب الحملات الاعلامية المناوئة التي تشوه صورة الاحزاب الكردية، لان هذه الاحزاب كفيلة بتحديد مستقبل العلاقة بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية.
وبنفس الوقت تتحمل مسؤولية حماية المواد الدستورية المتعلقة بحقوق الاقليم مثل المادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها، والمواد التي تتعلق بالنفط والغاز، ويجب ان تكون هذه المواد محور برامجهم الانتخابية. كذلك تحتاج هذه الاحزاب الى تعزيز ثقة المواطنين اكثر من اي وقت، من خلال ترشيح شخصيات نزيهة وتقديم برامج خدمية واقعية بعيدا عن الصراعات الحزبية الضيقة.
اما ميدانيا، فيجب حماية الصوت الكردي في المناطق المتنازع عليها لضمان نزاهة التصويت ومنع التزوير.
وعلى الصعيد الاقليمي والدولي، فهناك تأثير الدول الاقليمية على اقليم كردستان، ويعد من المواضيع المعقدة والمهمة نظرا لموقع الاقليم الجغرافي الحساس وغناه بالموارد. فالاستراتيجية المتبعة من قبل ايران وتركيا على اقليم كردستان تختلف من حيث الاهداف والادوات، لكنها تتقاطع في نقطة اساسية وهي منع قيام دولة كردية.
ومن جهة اخرى، تسعى تركيا الى توسيع النفوذ الاقتصادي والسياسي في الاقليم كجزء من سياستها الاقليمية الاوسع، وتعتبر الاقليم منفذا اقتصاديا مهما، حيث هناك استثمارات تركية كبيرة في الاقليم، بحيث تعتمد سياسة الانفتاح المشروط، اي التعاون الاقتصادي مقابل التزام اربيل بعدم تهديد الامن القومي التركي.
اما بالنسبة لايران، فتحاول الحفاظ على نفوذها السياسي والامني في الاقليم كجزء من نفوذها داخل الدولة العراقية، واضعاف النفوذ الامريكي، وتسعى دائما الى ابقاء توازن داخل الاقليم بين الحزبين الديمقراطي والوطني لمنع اي جهة من الاستقلال بقرارها عن طهران. ويرى كثير من المحللين ان ايران لعبت دور الوسيط في اتفاق الانسحاب من كركوك عندما سيطرت القوات العراقية مع الحشد الشعبي، وشكلت انتكاسة كبيرة للكرد، لان الحكومة العراقية اصبحت في مركز القوة بعد امتلاكها ادوات مالية للتأثير على الاقليم، خصوصا من خلال ميزانية الاقليم ورواتب الموظفين والخلافات الدائمة حول تصدير النفط والمناطق المتنازع عليها.
اما على الصعيد الدولي، فان الغرب بشكل عام والولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص يدعمان الاقليم ويعدانه حليفا رئيسيا في الحرب ضد الارهاب، وتحتفظ الولايات المتحدة بجزء من قواتها في الاقليم. اما اربيل فتحاول اتباع سياسة توازن دقيقة بين هذه القوى للحفاظ على استقرارها واستقلالها النسبي داخل العراق.
وفي النهاية، فلتكن انتكاسة كركوك عبرة للجميع لكي لا يعيد التاريخ نفسه.
06.11.2025