اعداد خوشناف سليمان
اعادت تصريحات وزير الخارجية الالماني يوهان فاديبول خلال زيارته الاخيرة الى سوريا الجدل الداخلي حول سياسة الهجرة والعودة الطوعية للاجئين السوريين. فبينما شدد الوزير على صعوبة العودة الكريمة في ظل الدمار الواسع الذي لحق بالبلاد، اعتبر بعض السياسيين في حزبه ان تصريحاته تمثل تراجعا عن التوجه الحازم الذي تتبناه الحكومة الائتلافية في ملف الهجرة.
وقد جاءت هذه التصريحات عقب جولة ميدانية لفاديبول في ضواحي دمشق، حيث وقف على حجم الدمار الذي خلفته الحرب، وقال ان الناس هناك لا يستطيعون العيش بكرامة. وقد بدت هذه الجملة في ظاهرها انسانية الطابع، لكنها اكتسبت بعدا سياسيا سريعا، اذ فهمت لدى بعض اعضاء حزبه على انها رسالة مترددة تجاه خطط اعادة اللاجئين، فيما رأى اخرون انها توصيف واقعي لحالة البلاد لا يتعارض مع سياسات الحكومة.
لذا سارعت وزارة الخارجية الى توضيح ان الوزير تحدث عن العودة الطوعية فقط، وليس عن الترحيل القسري، مشيرة الى ان القيود المادية والانسانية تجعل هذا الخيار محدود الامكان. كما اكد المتحدث باسم الوزارة ان فاديبول لم يعترض على خطط الحكومة الخاصة بترحيل المجرمين او المصنفين خطرين امنيا الى سوريا، وان التحضيرات في هذا الشأن متقدمة.
وينص اتفاق الائتلاف الحاكم، الذي يضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD والاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU، على تبني سياسة هجرة اكثر صرامة تتضمن البدء بعمليات الترحيل الى افغانستان وسوريا، بدءا بالمجرمين والخطرين امنيا. غير ان التطبيق العملي لهذه السياسة يواجه عقبات قانونية وانسانية، اذ لا تشمل الترحيلات سوى عدد محدود جدا من السوريين الذين لا يتمتعون باي وضع حماية او تصريح اقامة قانوني.
ووفقا لبيانات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، يبلغ عدد هؤلاء نحو تسعمئة شخص فقط من اصل ما يقارب تسعمئة وخمسين الف سوري يقيمون في المانيا، غالبيتهم يتمتعون بحماية قانونية او بوضع لاجئ معترف به.
ويرى خبراء اللجوء ان امكانية العودة او الترحيل تعتمد على تقييم دقيق للوضع الامني في كل منطقة سورية. ويؤكد الباحث كونستانتين هروشكا من الجامعة الانجيلية في فرايبورغ ان العودة تبقى قرارا فرديا في ظل استمرار المخاطر الامنية، مشيرا الى انه لا توجد منطقة يمكن اعتبارها آمنة بشكل مضمون. وتعتمد السلطات الالمانية في قراراتها المتعلقة بالحماية او سحبها على تقرير وزارة الخارجية عن الوضع الامني في سوريا، الذي يتم تحديثه دوريا، وكان اخر اصدار له في مارس 2025 لتقييم ما اذا كانت اسباب الحماية ما تزال قائمة.
وتكشف ردود الفعل داخل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي عن تباين في الرؤية السياسية اكثر مما تعكس خلافا في المضمون. فبينما يصر تيار داخل الحزب على التشديد الرمزي لسياسة التحول في ملف الهجرة، يرى تيار اخر ان الاعتبارات الواقعية والانسانية تفرض اتباع نهج اكثر تدرجا ومرونة.
في المحصلة، لا تمثل تصريحات فاديبول خروجا عن خط الائتلاف بقدر ما تعكس توازنا دقيقا بين الالتزام السياسي والاعتبار الانساني، وهو ما يجسد التحدي الدائم الذي تواجهه المانيا في الموازنة بين متطلبات الامن الداخلي ومسؤوليتها الاخلاقية الدولية تجاه اللاجئين. فالتصريحات لا تتناقض مع خطة الحكومة لكنها تسلط الضوء على الحدود الواقعية لسياسات العودة والترحيل في ظل هشاشة الوضع السوري. وبينما تسعى برلين الى مواءمة سياستها الامنية مع مبادئ القانون الدولي الانساني، تبقى العودة الى سوريا، سواء اكانت طوعية ام قسرية، مسألة معقدة واستثنائية تعتمد على التطورات الميدانية والسياسية ومدى تحقق الاستقرار الفعلي في البلاد.