المحامي حسن برو
في المشهد السياسي السوري المتشابك والمعقد لحد كبير حيث تتداخل المصالح وتتقاطع الولاءات بسيطرت القوى الاقليمية والدولية لتبحث لها عن ولاءات او حلفاء على ارض وشعب انهكه الديكتاتورية على مدى اكثر من ست عقود ، وتحديدا بعد استلاء حزب البعث للآن يبرز حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا كأحد الأحزاب القليلة التي حافظت على استقلالية قراره السياسي، رافضاً الخضوع لتأثيرات المال السياسي أو التبعية لأي جهة إقليمية، سواء في كردستان العراق أو في تركيا أو قوى إقليمة اخرى هذا الثبات على الموقف الوطني الكردي جعل الحزب يحتفظ بمكانة متميزة بين القوى السياسية الكردية والسورية على حد سواء.
يلعب الحزب معادلة التوازن الصعبة بين القومي والوطني دون ان يطغى جانب على جانب أخر إلا لمصلحة وخدمة شعبه
فمنذ توحيده لتشتت جهود عظة أحزاب في بداية التسعينات من القرن الماضي تبنّى حزب الوحدة نهجاً سياسياً يجمع بين الانتماء القومي الكردي والالتزام الوطني السوري فهو من اخرج قضية المحردين من الجنسية نتيجة الاحصاء الاستثنائي لعام ١٩٦٢ من حيزه ةالكردي الضيق لتصبح مع نضالاته الدوؤبة قضية رأي عام سوري فتبنت تلك القضية مع مرور الوقت الأحزاب الكردي بدابة ومن ثم أحزاب المعارضة الوطنية مثل اعلان دمشق ، كماةتحولت هذه القضية إلى قضية حقوق الانسان على المستوى الدولي،فالحزب يرى أن القضية الكردية في سوريا لا يمكن فصلها عن القضيةالديمقراطية السورية العامة، وأن أي حل عادل للكرد يجب أن يكون ضمن إطار وطني جامع يبني الثقة بين جميع مكوناته المجتمعية و يضمن الحقوق السياسية للشعب الكردي في دستورالبلاد ويؤسس لشراكة حقيقية بين جميع المكونات.
وقد برز هذا الموقف في العديد من المناسبات، من بينها رفض الحزب المشاركة في أي تحالفات أو مشاريع سياسية مدفوعة من الخارج تمسّ استقلال القرار الكردي أو تُستخدم أداة للضغط الإقليمي كما اتخذ موقفاً نقدياً واضحاً من بعض ممارسات القوى المسيطرة على الأرض، رافضاً عسكرة الحياة السياسية أو استخدام الشعارات الرنانة والكبيرة كوسيلة للهيمنة.
مواقف ثابتة في مراحل دقيقة
خلال سنوات الأزمة السورية، اتخذ حزب الوحدة مواقف متزنة تعكس وعياً وطنياً ومسؤولية سياسية . فقد رفض الحزب ان يكون في الائتلاف الوطني السوري بسبب ما رآه تبعية لأجندات تركية لا تخدم مصالح الشعب السوري عموماً ولا الكرد خصوصاً .
كما لم يتردد في إعلان موقفه الرافض لأي قرارات أو تفاهمات دولية تتجاهل الوجود الكردي ودوره في محاربة الإرهاب أو بناء مستقبل سوريا.
في المقابل كان للحزب دور إيجابي في دعم الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، التي اعتبرها تجربة وطنية تستحق التطوير والتصحيح في تلاطم السلاح والفصائلية الراديكالية ، و لم يتوانَ الحزب عن تأييد الخطوات الإيجابية في الإدارة، كتمكين المرأة، وتوسيع المشاركة المجتمعية، وبناء المؤسسات المدنية والعسكرية ذات الطابع الوطني مطالبا وبشكل دائم ان يكون الولاء للدفاع عن الشعب ومصاله ، لكنه في الوقت ذاته مارس نقداً بنّاءً حين رأى انحرافات أو أخطاء في آلية العمل أو في إدارة الملف السياسي والعسكري، مؤكداً أن النقد لا يعني الخصومة، بل هو شرط التطوير والاستقامة السياسية.
الاستقلالية في زمن الاصطفافات
من نقاط القوة الجوهرية للحزب أنه لم ينخرط في سباق الولاءات الإقليمية، ولم يسعَ إلى الاستفادة من الموارد أو الدعم الخارجي على حساب الموقف الوطني ،ففي وقت اتجهت فيه بعض الأحزاب الكردية نحو التحالف مع القوى الكردستانية في العراق أو تركيا، حافظ حزب الوحدة على استقلاله التنظيمي والسياسي، متمسكاً بأن القرار الكردي في سوريا يجب أن يكون نابعاً من إرادة أبناء سوريا أنفسهم.
ويؤكد قياديو الحزب في أكثر من مناسبة أن هذا الخط المستقل هو ما حافظ على مصداقية الحزب وجعله طرفاً مقبولاً للحوار الوطني السوري، وأن المصلحة القومية الكردية لا تنفصل عن المصلحة الوطنية السورية الجامعة على اساس وحدة المصير .
رغم مايمتلكه حزب وحدة من مواقف مشهودة لها في الوسطين الكردي والسوري عامة هناك نقاط ضعف ذاتية لايمكن تجاهلها يعترف بها كوادر الحزب بوجود تحديات داخلية، منها تأخر انعقاد مؤتمره العام لأكثر من اثني عشر عاماً، وكذلك التهجير الذي تعرض لها أبناء المناطق الكردية ( عفرين وسري كانيه وكري سبي) من المعاقل الرئيسية للحزب وضعف التجديد وترهلها في القيادة إلى جانب تراجع الدور الإعلامي والتنظيمي في بعض المراحل غير أن ما يميز الحزب هو وعيه الذاتي بهذه النقاط وسعيه لمعالجتها من خلال الدعوة إلى إعادة الهيكلة الداخلية وتجديد الحياة التنظيمية ومع كل ذلك يسجل لهذا الحزب بانه عمل على ملف الانتهاكات موثقة بحق أبناء عفرين من خلال تقارير أسبوعية وصل عددها لمايقارب اربعمائة تقرير ذو مصداقية وجدت صداها لدى كل المنظمات الدولية وأروقة الأمم المتحدة
حزب الوحدة دائما كان يحتكم للعقل ووروح المسؤولية
في ظل غياب التوازن بين القوى الكردية وتراجع دور بعض التحالفات الكردية التقليدية، كالمجلس الوطني الكردي وانسحاب الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي منه ، برز تحالفه في اتجاهين يصب في مصلحة الاول مع ( التقدمي ) والاخر مع مجلس سورية الديمقراطية ( مسد) ومن خلالهماةيبرز حزب الوحدة الديمقراطي الكردي اليوم كصوت يدعو إلى الواقعية السياسية والوحدة الوطنية، وهو يرى أن الحل في سوريا لن يكون إلا عبر حوار وطني شامل يشارك فيه الكرد كمكوّن وطني أصيل، وليس كأداة في صراع الآخرين معتمدا منذ مؤتمره عام ١٩٩٨ لتحقيق إدارة ذاتية للمناطق الكردية واعتبارها وحدة إدارية سياسية .
لقد أثبت الحزب و عبر مواقفه المتزنة وأن السياسة ليست مغامرة آنية بل مسؤولية أخلاقية ووطنية، وأن استقلالية القرار السياسي ليست رفاهية بل شرط للحفاظ على الكرامة السياسية للشعب الكردي والسوري على حد سواء.
في مؤتمره الثامن ٢٠٢٥ يأتي كعلامة فارقة نحو رؤية مشتركة وتجديد لطاقاته في مسيرته التنظيمية والسياسية، حيث مثّل انطلاقة جديدة نحو تجديد الطاقات واستنهاض الكوادر الشابة والمثقفة، وتعزيز الحضور الميداني والإعلامي للحزب وقد أكد المؤتمر على ضرورة تطوير أدوات العمل السياسي بما يتناسب مع التحولات الإقليمية والدولية، وعلى أهمية الانفتاح على القوى الوطنية السورية والكردية كافة وهو ما اعاد نشاط دورة حياته التنظيمية من خلال عقد مؤتمرات وكونفرانسات على مستوى كافة المدن والبلدات وكذلك في اوربا وكردستان ودول المهجر .
بالإضافة إلى النشاطات الميدانية والجماهيرية والمجتمعية
ومؤكد من خلالها العمل من أجل حل وطني ديمقراطي شامل هذا التحالف وإنهاء الأزمة السورية من خلال عودة المهجرين والنازحين قسرا إلى مدنهم وقراهم ، ومحاسبة كل من ارتكب الجرائم بحق الشعب سوري عموما والكردي خصوصا وبخاصة من استقوى باحتلال الجيش التركي وادخاله في مناطقنا الكردية والعمل على تغيير ديمغرافيتها وهو موقف لاتستطيع الكثير من القوى حتى الآن اتخاذه نتيجة تحالفاته الاقليمية السابقة
وبالنتيجة يمكن اعتبار حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا ثابت ومستقل بنهجه النقدي البنّاء وتحالفاته المتوازنة، يواصل أداء دوره كأحد العناوين السياسية الوطنية التي تسعى إلى بناء سوريا ديمقراطية تعددية لامركزية، لا مكان فيها للتبعية أو الإقصاء، بل للوطنية المشتركة والعدالة والكرامة الإنسانية.