صلاح بدرالدين
مبادرة او خطة ، او مشروع الرئيس الأمريكي – دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة ، وتحقيق السلام ، وإيجاد حل للقضية الفلسطينية ، بحسب المواد العشرين التي تضمنتها الخطة الامريكية ، والتي أعلنت الخطوة الأولى الأهم – وقف العمليات الحربية في غزة – البارحة في مصر (شرم الشيخ ٨ \ ١٠ \ ٢٠٢٥) خلال التفاوض غير المباشر بين وفدي اسرائيل وحماس ، ومشاركة وفود أمريكية ، ومصرية ، وقطرية ، بغياب لافت لممثلين عن السلطة الفلسطينية ، وتنفيذ الخطوة اللاحقة باطلاق المختطفين ، والأسرى من جانب الطرفين : خلال اليومين التاليين ، ثم الاستمرار في تطبيق البنود الأخرى من انسحاب الجيش الاسرائلي من قطاع غزة حسب الخطة المتفقة عليها ، وتسليم حماس لاسلحتها الى هيئة فلسطينية – عربية ، دولية ، ومغادرة قادتها للقطاع بعد ضمان سلامتهم ، ثم استكمال الخطوات عبر لجنة موسعة برئاسة ترامب وعضوية ممثلين عن الدول العربية ، والأوروبية بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق – توني بلير – من اجل إعادة اعمار غزة ، وإدارة القطاع لحين تسليمها للسلطة الوطنية الفلسطينية ، وينص البند العشرين الأخير : ” الظروف الملائمة لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة، وهو ما ندرك أنه تطلعات الشعب الفلسطيني.
ستنشئ الولايات المتحدة حواراً بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي للتعايش السلمي والمزدهر ” .
وفي البند الأخير هذا يظهر نوع من المواءمة بين قرار الجمعية العامة بشأن حل الدولتين بناء على المشروع السعودي – الفرنسي في الأمم المتحدة ومؤتمر نيويورك ، حيث تحفظت واشنطن بشانها ، واصرت على ان تقرير المصير يجب ان يتم برضا الطرفين ، وتفاهمهما وليس فرضه .
عوامل انضاج مبادرة ترامب للسلام
منذ عقود والمجتمع الدولي عاجز او متباطئ او غير مبال في ايجاد حل للقضية الفلسطينية ، وتحقيق السلام في الشرق الأوسط ، ومن الأسباب العائقة والى جانب التعنت الاسرائيلي دور النظام الإيراني في تشكيل محور الممانعة من النظام السوري البائد ، وتقديم الدعم المالي والعسكري لاذرعه من ميليشيات حزب الله ، والحوثي في اليمن ، وحركة حماس في غزة ، والميليشيات الولائية العراقية ، وفي غضون العامين الأخيرين تولت إسرائيل بالتعاون الكامل مع أمريكا اذلال العقبات ، وتصفية اطراف الممانعة ، والقضاء على ظاهرة الحرب بالوكالة ، فكانت للعمليات العسكرية الاسرائلية نتائج سريعة ودورا أساسيا في اسقاط نظام الأسد ، وتصفية حزب الله ، والقضاء على قدرات حماس ، واضعاف الحوثي ، وتهديد الميليشيات في العراق وتوجيه ضربات ساحقة لنظام ولي الفقيه ، كل ذلك مهد السبيل للدور الأمريكي الراهن ، ونجاح خطة ترامب ، وتوافق عربي إسلامي عالمي بشان السلام ، وطي صفحة حماس الى الابد ، كميليشيا إسلامية سياسية مسلحة موسومة بالإرهاب .
هل تقتصر مبادرة ترامب على غزة وفلسطين ؟
ترافقت حرب إسرائيل بالعامين الأخيرين على الجبهات المتعددة ، مع تصريحات متكررة لرئيس حكومتها – نتانياهو – بانهم بصدد إعادة بناء شرق أوسط جديد خال من الإرهاب ، وعندما اعلن الرئيس الأمريكي عن خطته بشأن غزة ، اعتبر انه بصدد تحقيق السلام بالشرق الأوسط ، وكما أرى فان كلاهما ينطلقان من واقع ان القضية الفلسطينية لم تعد مسالة محلية بل في تشابك معقد مع عوامل إقليمية ، ودولية ، وتحولت الى مادة لتدخلات ايران واذرعها واستغلالها لمصالحها الخاصة ، حتى ان حزب الله في لبنان قد ربط نفسه بدفع من ايران بحرب غزة إضافة الى اطراف أخرى بالمنطقة ، وكما اعتقد فان مجرد نجاح ترامب في خطته بشان غزة ، لن يتوقف بل سيرى نفسه مسؤولا عن الاستقرار بالمنطقة برمتها ، وسيسير بنفس المسار الحربي الذي بداته إسرائيل ( ان لزم الامر ) في تصفية بؤر التوتر ، والميليشيات المحلية المكلفة بحروب الوكالة ، وسيعالج المعضلة الإيرانية سلما او حربا ، وسيبذل الجهود الكبرى لاحياء مااطلق عليه – المشروع الابراهيمي – بتحقيق المصالحة الاسرائلية العربية ، ودمج إسرائيل بالعملية الاقتصادية ، والسياسية بالمنطقة .
بقي ان نقول ان نجاح خطة ترامب في غزة يعود باعترافه هو الى الدور البارز للرئيس التركي – اردوغان – في اقناع حركة حماس ، وهذه الإشادة ظهرت منذ يومين في تقرير استخباراتي إسرائيلي أيضا ، ولاشك انه في عملية لعبة الأمم كل شيئ له ثمن مقابل ، وكما اعتقد سيتعزز الدور التركي في سوريا ، والمنطقة اكثر من السابق .
اسقاطات خطة ترامب على الوضع السوري والحالة الكردية
من المتوقع ان تفتح عملية السلام هذه مابقيت من الطرق المسدودة امام اتفاق سوري اسرائيلي نهائي ، وذلك بمساهة الإدارة الامريكية التي تعتبر نفسها المنتصرة في سوريا بعد رحيل نظام الأسد والقضاء على النفوذين الإيراني والروسي ، والمسؤولة عن استتاب الامن والاستقرار فيها ، وبشكل خاص شعورها بالمسؤولية الخاصة بشأن اتفاق دمشق مع – قسد – لعلاقاتها العسكرية مع الأخيرة خلال محاربة داعش ، وتنفيذ بنود اتفاقية العاشر من آذار التي ابرمت بوساطة أمريكية ، ومن المعروف ان الجانب الأمريكي يضغط باتجاه ضرورة الاتفاق مع دمشق من دون دخولها بالتفاصيل ، في موضوع دمج القوات ، وتسليم المناطق الى الدولة السورية وانجازه قبل حلول العام الجديد ، وبهذا الصدد فان حل معضلة غزة أسس لمرحلة جديدة ، وأضاف عوامل إقليمية ليست لمصلحة حاضر ومستقبل سياسات – قسد – ، بالإضافة الى ذلك فان المجتمع الدولي يميل الى تعزيز الدول القائمة وتقليص نفوذ – الميليشيات – المسلحة خصوصا بعد الضربات الماحقة لاذرع ايران بالمنطقة ( ب ك ك محسوب في قائمة اذرع ايران قبل الجميع ) ، كما ان الإدارة الامريكية ، ودول اوربا ، والدول الإقليمية ، لاتنظر الى – قسد – كتنظيم سياسي يناضل من اجل الحقوق المشروعة للكرد السوريين ، بقدر ماهي تشكيل عسكري مختلط يتبع لمركز – قنديل – يعمل من اجل ان يدير مناطق شمال شرق سوريا ( محافظات الحسكة – الرقة – دير الزور – ) ويستثمر خيراتها ، هذا التشكيل العسكري الذي تاسس بامر من – ب ك ك – عندما هرع مقاتلوه لنجدة نظام الأسد بداية الثورة السورية ، والمكون من اغلبية عربية ليس منوطا بتقديم المطالب الكردية القومية او التعاطي مع القضية الكردية الا من باب التلون وخلط الأوراق .
كما ان الإدارة الانتقالية الحاكمة بدمشق ، والتحالف الدولي ، وتركيا وجميع الأطراف المعنية بالملف السوري ، على بينة بوجود قضية كردية سورية تنتظر الحل ، مسيرتها مليئة بالتضحيات ، والمعاناة ، والعبر والدروس ، وأصبحت بمرور الزمن جزء لايتجزأ من القضية الوطنية الديموقراطية والعملية السياسية في البلاد ، عمرها نحو مائة عام ، وظهرت قبل وجود ( ب ك ك وقسد ) بنحو خمسين عاما ، والجميع يعلمون ان الحركة السياسية الكردية السورية الراهنة مفككة ، ومنقسمة ، والتعبيرات الحزبية الراهنة هزيلة ، ومصطنعة ، وتابعة لمحاور متصارعة ، وان التمثيل الحقيقي الشرعي للكرد السوريين مرتبط بتوفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع في العاصمة دمشق ، من اجل إقرار المشروع السياسي الكردي ، وتخويل من يحاور الشركاء بدمشق لايجاد حلول توفيقية للقضية الكردية السورية ، والمضي قدما بشراكة حقيقية نحو انجاز المهام الوطنية الأخرى التي تنتظر الإنجاز في ظروف السلم الأهلي ، والوحدة الوطنية ، ولاشك ان الإدارة الانتقالية على كاهلها النصيب الأكبر من المسؤولية بهذا المجال، بخلاف ذلك لن نرى سوى اللعب بالوقت الضائع ، وتفجير الأوضاع هنا وهناك على حساب دماء السوريين ، والاتهامات المتبادلة الجاهزة ، واضافة المزيد من التعقيدات الى العملية السياسية في كل سوريا .