الاعتراف الدستوري بحقوق المكونات القومية والدينية والطائفية: لماذا يعدُّ مهماً وضرورياً؟

شادي حاجي

توصف الدول التي تحتضن مكونات مجتمعية متعددة من حيث القوميات والأديان والطوائف -عادة- بأنها دول متعددة الثقافات أو دول تعددية.

ويظهر الاعتراف الدستوري بهذه التعددية في أشكال عدة، منها:

النص الواضح والصريح والشفاف على التعددية القومية أو الدينية أو الطائفية، والحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية لكل منها بما يضمن خصوصيتها، وذلك من خلال الإقرار بنظام فيدرالي، أو منح حكم ذاتي، أو اعتماد لامركزية موسعة لبعض الأقاليم أو المحافظات، أو عبر تخصيص مقاعد أو حصص تمثيلية للمكونات المختلفة.

الاعتراف بلغات متعددة كلغات رسمية.

ضمان حرية المعتقد والممارسة الدينية.

وحقيقة، فإن الأمثلة على الدول متعددة المكونات و التي تعترف بمكوناتها، هذه، دستوريًا كثيرة، منها: الهند، الإمارات، لبنان، سويسرا، ألمانيا، كندا، بلجيكا، والولايات المتحدة الأمريكية.

ولا تختلف الدولة السورية عن تلك الدول، فهي أيضًا دولة متعددة القوميات والأديان والطوائف والثقافات، وليست استثناءً. ومع ذلك، لا يوجد نموذج واحد موحد لتطبيق هذه الأنظمة في مختلف الدول، بل يتم اختيار النموذج الأنسب لسوريا عبر المفاوضات والتوافقات بين ممثلي جميع المكونات السورية.

هذا التنوع يفرض تحديات على مستوى الحكم والدستور، وما يجعل الاعتراف الدستوري بحقوق المكونات القومية والدينية والطائفية ضروريًا ومهمًا هو أن هذا الاعتراف يشكّل أداة لتعزيز الوحدة الوطنية ومبدأ المواطنة المتساوية، وحماية الحقوق الثقافية والدينية، ودعم التعددية وبناء السلم المجتمعي، وإشراك المكونات في الحياة السياسية، وتقوية شرعية الدولة.

  1. تعزيز الوحدة الوطنية ومبدأ المواطنة المتساوية:

الإقرار الدستوري بحقوق جميع المكونات المختلفة يعزز الوحدة الوطنية، ويرسخ مبدأ المواطنة الذي يساوي بين الأفراد أمام القانون بغض النظر عن انتماءاتهم، ويمنع التمييز، ويضمن المساواة بين جميع المواطنين، ويعزز المشاركة العادلة في الشأن العام.

  1. حماية الحقوق الثقافية والدينية:

يتيح الاعتراف الدستوري للمكونات المختلفة ممارسة لغاتها وثقافاتها وشعائرها الدينية بحرية في الإعلام والتعليم والمجال العام، مما يسهم في منع سياسات الإقصاء أو التذويب القسري.

  1. دعم التعددية وبناء السلم المجتمعي:

الإقرار الدستوري بحقوق هذه المكونات يعكس احترام الدولة للتنوع الثقافي والديني والطائفي في المجتمع، ويمنح كل مكون شعورًا بالانتماء والمشاركة، ويبعث برسالة مفادها أن التنوع مصدر غنى لا تهديد، ويشكل قاعدة للعيش المشترك والتعايش السلمي، ويحدّ من النزاعات الناتجة عن الإنكار أو التهميش أو الإقصاء.

  1. إشراك المكونات في الحياة السياسية:

النص الدستوري على حقوق المكونات يساهم في تعزيز الاستقرار السياسي، ويقلل من احتمالات النزاع، ويمكّن المكونات المختلفة من المطالبة بحقوقها السياسية والثقافية والاجتماعية والإدارية، وحقها في المشاركة في الحكم وصنع القرار عبر التمثيل السياسي — سواء من خلال النظام الفيدرالي أو الحكم الذاتي أو ضمان حصص معينة في المؤسسات — بما يسهم في تحقيق السلام الاجتماعي وبناء الثقة بين الدولة والمجتمع.

  1. تقوية شرعية الدولة:

حين يشعر الجميع أن الدولة تعترف بهم وتحمي حقوقهم في أعلى وثيقة قانونية، وهي الدستور، فإن شرعيتها تتعزز داخليًا وخارجيًا، ويُنظر إليها على أنها دولة راعية لجميع مواطنيها دون استثناء.

إن الدولة السورية العادلة لا تُبنى على أساس الانصهار القسري أو الإنكار أو الإقصاء، بل على أساس الاعتراف الدستوري بالتنوع واحترام حقوق وخصوصيات جميع المكونات السورية ضمن إطار دستوري ضامن، يقلل من فرص النزاع والانفصال، ويؤسس لبناء دولة ومجتمع عادل وآمن ومستقر تحت مظلة القانون وسيادته.

وإلى مستقبل أفضل.

ألمانيا في 10/10/2025

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…