البعد القومي في سياسة الرئيس مسعود البارزاني .

علي صالح ميراني

اصبح الكورد رقما يحسب له حسابه، في المعادلات الاقليمية والدولية على السواء، في خضم بحر هذا الصراع المتلاطم الامواج، وسياسات الشد والجذب، وكسر الارادات، التي تشهدها المنطقة بصورة محمومة، بعد ان اهملوا لعقود طويلة، وخصوصا في حقبة الحرب الباردة (1945 ـ 1990)، وبات معظم المتابعين والمهتمين بالسياسة الشرق الاوسطية، يتوقعون انه سيكون للكورد نصيب وافر من التغييرات القادمة، ويتوقعون بانه سيكون لهم دور مؤثر في ميزان القوى العالمية، فيما يخص الشرق الاوسط الملتهب، لدرجة ان كاتبا بريطانيا معروفا هو باتريك سيل، خصص في مقال سابق نشر في جريدة الحياة المعروفة قبل ايام، شرحا للدور المتوقع للكورد، وهو  الذي لم يذكر شيئا عنهم، في كتابين هامين اصدرهما عن سوريا قبل سنوات.
    وبات من المألوف، ان معظم الانظار، تتجه نحو الدور الريادي للرئيس مسعود البارزاني، في ادارة دفة الاحداث، فيما يخص مصير الكورد، والى حد ما المنطقة، وان سياساته الداخلية والخارجية، وترجمتها مواقفه المبدئية، تشكل انعطافا اساسيا في مسار الحركة التحررية الكوردية، من حيث فرضه لواقع هو، ان من يريد ان يعقد جلسة مأئدة حول مصير المنطقة، عليه ان يدعو الكورد قبل غيرهم، ولعل تلك الثقة متأتية، بما يمتلكه من زخم شعبي واضح، يستند على مقومات عدة تؤهله، لان يكون المعبر الاكثر تمثيلا عن الشعب الكوردي في الوقت الحالي، بحسب هؤلاء، تأتي في مقدمتها، القاعدة الواسعة التي يحظى بتأييدها، ليس في جنوب كوردستان فحسب، بل في الاجزاء الاخرى ايضا، ومتانة العلاقات الاقليمية والدولية التي استطاع عقدها مع اهم مراكز القرار العالمي، لما يتحلى به من المصداقية في التعامل والحفاظ على كلمته، فضلا عن سياسته القومية الكوردستانية، والمعروفة للجميع، فعلى سبيل المثال، وفيما يخص ابناء شمال كوردستان، قرأنا كما قرأ الكثيرون، ما ادلى به المتحدث الرسمي بإسم رئاسة إقليم كوردستان، من ان الرئيس مسعود البارزاني، سعيد جدا، ومتفائل باللقاء الذي جرى في تركيا مع السيد عبدالله أوجلان، وانه يعد ذلك، خطوة إيجابية وكبيرة ويقيمه عالياً، ويتمنى أن يكون ذلك بداية جدّية، وفاعلة لترسيخ السلام بشكل دائم، وإنهاء الإقتتال والعنف والتوصل الى معالجة سلمية للقضية الكوردية، ان هذا الموقف القومي الواضح من الرئيس البارزاني، يدل دلالة مؤكدة انه مع اجراء الحكومة التركية المفاوضات مع الزعيم الكوردي عبدالله اوجلان والمسجون لديها منذ اكثر من عقد، وافهام زعماء تركيا وجنرالاتها، ان سياسة القتل والقمع والقهر، لن تنفعها، في التخلص و وأد الحقوق الكوردية، وان اقرب طريق الى حل القضية الكوردية، يكون عبر فتح باب الحوار، وسد فوهات البنادق والى الابد.

   كما ان السياسة القومية للبارزاني، تبدو  واضحة للعيان، فيما يخص غرب كوردستان، فهو ومنذ بداية انطلاقة الثورة السورية في 15 اذار 2011، كان قد وجه العديد من الرسائل، مفادها انه يقف الى جانب الكورد السوريين، وفي سبيل ذلك التقى ببعض ممثلي غرب كوردستان، ونصحهم بان يتوحدوا وراء مطالب عادلة وشرعية، وينبذوا لغة الشقاق والافتراق المستفحلة بينهم منذ عقود، لان ذلك لن يفيد الا اعداء الكورد لا غيرهم، وطالبهم بضرورة تضافر الجهود لتعبئة الرأي العام الكوردي، وراء وجوب دسترة الحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي، عبر اجبار المعارضة الاعتراف بها بوضوح لا يحتمل التأويل، وهو لم يكتف بذلك، بل جعل من اراضي الاقليم، وعلى الرغم من التهديدات الاقليمية العلنية والمبطنة، مسرحا لنشاط الكورد السوريين، وامر السلطات المعنية في محافظة دهوك، باقامة مخيم يجمع اكثر من خمسين الف لاجىء كوردي سوري، يقيمون حاليا في المخيم، ومدهم بالمساعدات، وفتح باب العمل لهم في ارجاء كوردستان، والإيعاز للبيشمركه المرابطين على الحدود، بفتح الحدود لدخول المئات من الشباب من غرب كوردستان، والتزود بالمواد المطلوبة، ومع ذلك يجري في الجانب الاخر من الحدود المصطنعة، مايسترعي الانتباه، ويتمثل بقيام جهات كوردية معروفة، باستغلال ذلك، وفرض الغرامات على دخول اللاجئين الكورد السوريين الى اراضي الاقليم، بذريعة حمايتها من الاغراب، ضاربة عرض الحائط الواقع المعروف للجميع، ومحاولة احداث شرخ في الموقف الكوردي العام .
     وفي جنوب كوردستان، تظهر ملامح السياسة القومية للبارزاني، في وجوه عديدة، ابرزها هو الموقف الثابت والاصيل، والمتمثل بالوقوف في وجه المطامح غير الشرعية لرئيس الوزراء نوري المالكي، والذي ارسل قوات عملية الدجلة الى كركوك للتحصن بها، وكان ان امر الرئيس البارزاني، قوات البيشمركه بالوقوف في وجهها، و وضع حد لتقدمها، الامر الذي اثار جنون المالكي، وجعله يهدد في حديث له، بانه يتوقع ان تكون الحرب القادمة، حربا قومية بين كل من الكورد والعرب، وانها ستكون الاشرس من بين كل الحروب السابقة.

     ان البعد القومي في سياسة البارزاني، لا تحتاج الى الكثير من البراهين والادلة للاشارة اليها هنا وهناك، او الى التحليل العميق لمعرفة ماهيتها، فمنذ ولادته في اجواء جمهورية كوردستان الشعبية، وانخراطه في صفوف البيشمركه، وهو لايزال يافعا، وعدم مساومته على القضايا القومية الكبرى، ولعل هذه الصفة هي اكثر ما قربته من قلوب الكوردستانيين، تشكل كلها روافد امدته طوال الوقت بمحبة من حوله، ليكون في الصفوف الاولى خدمة، لابناء شعبه وفي الاجزاء الاربعة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…