مسلم شيخ حسن- كوباني
تظهرالتجارب التاريخية أن ضيق ورفض الرأي المخالف كانا ولا يزالان من أهم العوامل التي تعيق أي مشروع سياسي أو اجتماعي قابل للتطبيق. فالأفكار التي تقصي الآخرون وخصوصاً عندما يكون قريباً أو من ذات النسيج الاجتماعي محكوم عليها بالفشل مهما بلغت قوتها في لحظة زمنية معينة . إن الفهم والقدرة على الاصغاء إلى الآخرين المختلفين والاعتراف بشرعية تنوع الرؤى داخل الجماعة الواحدة يعدان شرطاً اساسياً لنجاح أي مشروع مستقبلي قابل للحياة.
في هذا السياق تبرز مفارقة التجربة السياسية الكردية بشكل لافت. لطالما أبدت الأحزاب والحركات الكردية استعداداً للتفاوض أو حتى التعاون مع القوى الخصمة واحياناً مع أطراف لطالما اعتبرت معادية لتطلعات الشعب الكردي.
لكن في المقابل يلاحظ أن هذه القوى نفسها تجد صعوبة بالغة في بناء جسور التواصل مع القوى الكردية الأخرى بل وتتعامل معها احياناً بعقلية التنافس الصفري لابعقلية التكامل والتعاون.
إن هذه الظاهرة لاتعكس فقط أزمة في الرؤية السياسية بل ايضاً أزمة في الثقافة التنظيمية التي لم تتمكن بعد من تجاوز الانقسامات الداخلية أو وضع مشروع شامل يستوعب الاختلافات الفكرية والسياسية ضمن البيت الكردي الواحد . ومن هنا ،فإن أي مشروع وطني أو قومي كردي لن يكون قابلاً للحياة ما لم يُبن على أساس قبول التعددية الداخلية وإدارة الخلاف بطريقة عقلانية بما يتيح التعاون بدلاً من الصراع.
يتطلب التغلب على هذه المعضلة شجاعة فكرية بقدر ما يتطلب حكمة سياسية. فالقدرة على التفاهم مع القريب المختلف أصعب وأعمق من القدرة على التفاهم مع العدو. لكنها في الوقت نفسه السبيل الوحيد لبناء مستقبل مشترك قائم على الثقة والوحدة لا على الانقسام والتناحر .
إن القراءة المتأنية للتجربة الكردية تكشف أن جوهر التحدي لا يكمن في مواجهة الخصوم الخارجيين بقدر ما يمكن في كيفية إدارة الاختلافات الداخلية. فالتاريخ يعلمنا أن الأمم القادرة على تحويل تنوعها إلى قوة موحدة هي وحدها القادرة على توحيد مشاريعها الوطنية وبناء مستقبل مستقر. ومن هنا فإن تجاوز الضيق الفكري والاعتراف بشرعية الاختلاف ليس خياراً ثانوياً بل ضرورة وجودية لأي مشروع كردي يطمح الى البقاء والتأثير.
25 / 9 / 2025