صلاح بدرالدين
أوروبا الاستعمارية السابقة وتحديدا – فرنسا وبريطانيا – تتحملان المسؤولية الأولى السياسية ، والأخلاقية تجاه حرمان الشعبين الكردي والفلسطيني من حق تقرير المصير قبل اكثر من مائة عام ، وما ترتب على ذلك من اضطهاد ، واقتلاع من الأرض ، وتشريد ، وابادة ، وحروب متعاقبة في المنطقة ، فقد وقع ممثلا فرنسا وانكلترا على بنود اتفاقية سايكس – بيكو عام ١٩١٦ ( جورج بيكو ١٨٧٠ – ١٩٥١ ، وهو المحامي والدبلوماسي والمسؤول عن الحاق مناطق المشرق العربي بالنفوذ الفرنسي والتأسيس للانتداب ، ومارك سايكس ١٨٧٩ – ١٩١٩ المستشار البريطاني السياسي والدبلوماسي المختص بالشرق الأوسط ومناطق سوريا الطبيعية ، خلال فترة الحرب العالمية الأولى ، كما لعب دورا في اصدار وعد بلفور بعد عام من الاتفاقية ) ، ابرمت الدولتان الاستعماريتان الاتفاقية بهدف تقسيم مناطق النفوذ في الأراضي التابعة آنذاك للدولة العثمانية المتهاوية ، وشاركت روسيا القيصرية آنذاك في التصديق على الاتفاقية رغبة منها لاقتسام مناطق النفوذ هي الأخرى قبل ان تسقط على يد الثورة البلشفية .
هاتان الدولتان ” وبصحوتهما ” المزعومة المتأخرة جدا ، وتصدرهما لحملة الاعتراف بدولة فلسطين لم يثبتا للعالم اية صدقية في اعلاناتهما الاستعراضية الإعلامية ، لوكان هناك شيئ من المبدئية ، والموقف السياسي الجاد ، لا علنا امام الملأ ادانة اتفاقية سايكس بيكو غير العادلة ، وإعلان الندم ، وتقديم الاعتذار لمن تضرر من الاتفاقية من شعوب المنطقة ، وفي المقدمة الكرد والفلسطينييون ، وتعويضهم على كل الاضرار المادية والمعنوية ، سايكس الذي كان مشرفا على شؤون الشرق الأوسط ، والادنى ، كان معروفا بمعاداته للكرد وقضيتهم المشروعة ، وكان يعبر بذلك عن الموقف السياسي البريطاني العام .
من جهة أخرى يميل المراقبون ان هذه – الحركة – في هذا الوقت بالذات لن تؤدي الى قيام دولة فلسطين بل قد تزيد القضية الفلسطينية تعقيدا خاصة قبل ان يسود السلام بين الطرفين المتصارعين على الأسس المعروفة وحسب القرارات الدولية ، وانها تمت من دون الاتفاق مع الولايات المتحدة الامريكية التي وبناء على نفوذها تمسك بالملف الإسرائيلي الفلسطيني منذ قيام إسرائيل ، وسبق ان وقفت وراء المشروع – الابراهيمي – للسلام ، وبالتالي عوامل قيام الدولة بالحالة الفلسطينية الراهنة ( الشعب – الأرض – السلطة ) تبقى ناقصة.
لقد اعلن الزعيم الراحل ياسر عرفات عن استقلال فلسطين وقيام الدولة في المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر عام ١٩٨٨ ، وكنت حاضرا ، وخلال اشهر اعترفت ستون دولة باستقلال فلسطين ، وفتحت في عواصمها مكاتب بعثات وسفارات فلسطين ، خاصة في عواصم الدول الاشتراكية سابقا ، ولكن العوامل الموضوعية لم تكتمل لتحقيق الأمنية المشروعة ، وحصول فلسطين على مقعد دائم بالأمم المتحدة .
من حق الفلسطينيين ان يشعروا بالارتياح ، ويفرحوا ويحتفلوا امام اعتراف نحو ١٥٠ دولة بحقهم بتقرير المصير ، وبناء دولتهم ، وهو تطور مهم ولافت ، ومن واجب اصدقائهم مشاركتهم بفرحتهم لانهم عانوا طويلا ، ولكن عليهم أيضا وخاصة على قياداتهم بالسلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية ان يكونوا حذرين ، واقعيين ، وكم اعجبت بكلمة الأخ الرئيس محمود عباس أبو مازن الموجهة لمؤتمر حل الدولتين عبر تقنية الفيديو ، التي اتسمت بالصدق والصراحة والواقعية ، وبعد النظر .
الدول الأوروبية التي تحمل في دساتيرها وقوانينها ثقافة حق الشعوب وحقوق الانسان ، والمبادئ الديموقراطية ، ولكن أنظمتها ، وحكوماتها الحزبية تميل الى مصالح الطبقات الحاكمة ، التي تتقاطع معظم الاحيان مع الأنظمة المستبدة في الشرق الأوسط ، ويتم السكوت عن قمع الشعوب ، وحرمانها من الحريات ، فاذا كاان على كل شعب ان يصبر مائة عام حتى – تصحو الضمائر – فعلى الحرية والديموقراطية السلام .
نحن في الحركة الكردية السورية تضامننا مع حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير منذ اكثر من خمسين عاما ، في حين ان أوروبا الحضارة والثقافة تصحو بعد مائة عام ، وبالمناسبة ان أي اعتراف بحق أي شعب في المنطقة وفي جوارنا سيكون لصالح الكرد كشعب يستحق ان ينال حقه في تقرير المصير ، وسيشكل سابقة حميدة في الحياة السياسية في المنطقة.
بقي ان أقول ان المنطلق المبدئي الوحيد الذي استندت اليه دول العالم المعترفة بدولة فلسطين هو مبدأ حق تقرير المصير ، هذا المبدأ الازلي الذي تنفيه جماعات – ب ك ك – ولا تتبناه في برامجها وبياناتها ، لانها فعلا لا تبحث عن حقوق الكرد المشروعة في اطار سوريا الديموقراطية الموحدة ، بقدر ما تعمل من اجل سلطة الحزب ، ونفوذه ، ومصالحه ، ولهذا السبب وأسباب أخرى فان الكرد السوريين ، وشركائهم من القوى الوطنية السورية وحتى الإدارة الانتقالية بدمشق لا يعتبرون هذه الجماعات ممثلة للكرد ، ومعبرة عن واقعهم، وطموحاتهم.