79 عامًا… ولادة حزب، وقيادة حكيمة، ونجاحات متجددة

صبحي مندلاوي

إنها ليست مجرد ذكرى عابرة، بل شهادة حيّة على مسيرة نضال متواصل، ونجاح متراكم، وقيادة تاريخية أثبتت أن ثقة شعب كوردستان لا تُمنح عبثًا، بل تُنتزع بالصبر والتضحيات والمواقف الصلبة في أصعب المنعطفات.

هكذا هي المحطة التاسعة والسبعون لتأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني؛ ليست مجرد رقم في روزنامة التاريخ، بل ملحمة تختصر مسيرة شعب، وحكاية نجاح مستمر، وإصرار لا ينكسر، وثقة شعبية لا تتزعزع مهما حاولت الرياح أن تقتلع جذورها.

يقف خلف هذه الملحمة الطويلة العقل البارزاني الحكيم، مدرسة سياسية وأخلاقية بدأت مع المؤسس، الزعيم الخالد ملا مصطفى البارزاني، الذي ورث قضية شعبه من أسلاف حملوا السيف بوجه الظلم وقارعوا أعتى الدكتاتوريات. لم يكن البارزاني مجرد قائد عسكري، بل بطل قومي اجتمع حوله مئات الآلاف، لا لأنه يملك سلطة أو مالًا، بل لأنه كان يحمل قضية عادلة، وينطق بلسان أمة جُرّدت من حقوقها.

وفي يوم تأسيس الحزب نفسه، وُلد مسعود بارزاني، ليحمل البندقية وينضم إلى البيشمركة وهو في الثانية عشرة من عمره، ويسير إلى جانب والده وشقيقه الراحل الباقي في قلوب أبناء شعبه، إدريس، حاملاً همّ شعب محاصر بقوى الاستكبار والعنصرية. لم يضعف، لم يساوم، ولم يرفع راية الاستسلام، بل قاد شعبه بثبات حتى جاءت الانتفاضة المليونية، لتكون الشرارة التي نقلت القضية الكوردية إلى مرحلة جديدة من الحضور السياسي والشرعية الدولية.

ومنذ ذلك اليوم، لم تعرف صناديق الاقتراع في كوردستان منافسًا حقيقيًا للحزب الديمقراطي الكوردستاني، الذي تصدّر المشهد السياسي بامتياز بفضل وضوح الرؤية وصلابة الموقف.
تسعة وسبعون عامًا ليست مجرد رقم في دفتر التاريخ، بل مسيرة شعب وحزب وقيادة، وملحمة وفاء متبادل بين الشعب والقيادة. فالحزب الديمقراطي الكوردستاني لم يكن يومًا يركض خلف السلطة، بل حملها على كتفيه أمانة ومسؤولية، وحمى حلم كوردستان من الانكسار رغم العواصف والمؤامرات.
واليوم، تستمر القيادة البارزانية الحكيمة، المتمثلة بالرئيس والمرجع مسعود بارزاني، في رفد جيل جديد من القادة، نيچيرڤان بارزاني رئيس إقليم كوردستان، بما عُرف عنه من حنكة سياسية ودبلوماسية داعمًا ابن عمه بكل قوة، ومترجمًا وحدة الصف البارزاني في أحلك الظروف  ومسرور بارزاني، الذي يقود حكومة إقليم كوردستان في مرحلة حساسة بكل ما فيها من تحديات، بثبات وإصرار على حماية منجزات الإقليم وصون كرامة شعبه مهما كانت الضغوط حيث يعملان معًا لحماية منجزات الإقليم وترسيخ مكانته الإقليمية والدولية
أن يبقى الحزب بعد سبعة عقود ونصف قائدًا لشعبه، فذلك ليس صدفة، بل شهادة على عمق الجذور، وصدق النهج، وثبات الموقف، حيث تلتقي إرادة الجماهير بحكمة القيادة، فيتحول التاريخ إلى مستقبل حي.
هذه المسيرة لم تكن خالية من الأعداء؛ فالحزب الديمقراطي الكوردستاني واجه — ولا يزال — خصومًا في الداخل والخارج، لم يتورعوا عن استخدام كل الوسائل لإيقاف نجاحاته وكسر ثقة الشعب بقيادته البارزانية، من الحصار الاقتصادي، إلى حملات التشويه، وحتى المؤامرات السياسية والعسكرية. ومع ذلك، بقي البارتي واقفًا، مستندًا إلى إرادة جماهيره، ومسنودًا بتاريخ من التضحيات.
79 عامًا مرت… لكن الحكاية لم تكتمل بعد. لأن مسيرة البارتي هي قصة أمة تعرف أن الحق لا يُستجدى، بل يُنتزع، وأن النصر لا يُقاس بعدد السنين، بل بصلابة الموقف أمام العواصف.

========

جريدة التآخي

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…