في لحظة مفصلية كهذه لا مكان للرمادية أو الهروب خلف التفاصيل

د. محمود عباس

نحن أمام مرحلة هي الأخطر في تاريخ الكورد في غربي كوردستان، حيث تتكالب الحملات المسعورة من قبل المتربصين بقضيتنا وشعبنا، تحت ذرائع واهية وحجج ساقطة، بل وأحيانًا منحطة أخلاقيًا، هدفها واحد، تجريدنا من مكتسباتنا القومية والسياسية، وفتح الأبواب أمام جحافل الإرهاب والتكفير لإعادة مشاهد شنكال وعفرين، بكل ما حملته من مجازر وسبي وتهجير، وعلى مرأى العالم وصمته المريب.

إن أي طرف كوردي لا يقف اليوم، بوضوح وبلا تردد، خلف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وقوات الحماية الشعبية وقوات حماية المرأة والبيشمركة، إنما يسهم، عن قصد أو جهل، في دفع شعبنا نحو الهاوية، فهذه القوات ليست مجرد تشكيلات عسكرية، بل هي الحاجز الأخير الذي يقف في وجه فلول داعش، وأيتام البعث، ومرتزقة تركيا، وحكومة الجولاني، وأدوات المشروع العثماني الجديد التي يقودها هاكان فيدان وأمثاله.

لقد روّجت تركيا، على مدى سنوات، دعاية سوداء واسعة النطاق، اختلطت فيها أموال الاستخبارات مع أحقاد التاريخ، حتى جعلت كلمة “القنديلي” مرادفًا في أذهان بعض المغيبين لكلمة “الصهيوني”، رغم أن رمزية القنديل في الوجدان الكوردي أشرف وأنقى وطنية من أي مرتزق إرهابي من طينة البغدادي والجولاني والدغيم والشيباني، ومن لفّ لفّهم من المأجورين السوريين المتطرفين، المؤلم أن بعض إخوتنا الكورد ما زالوا أسرى لهذه الدعاية، يكررون خطابها، وكأنهم لا يرون أن الحوار مع حكومة الجولاني أو غيرها، في غياب قوة كوردية مهابة، لن يكون سوى استسلام مذل يُفرض بشروط العدو.

إن تركيا اليوم تخوض معركتها الحاسمة لإزالة قسد، لأنها تدرك أن سقوط هذه القوة يعني سقوط إرادة الكورد، وطيّ قضيتنا في سوريا، وتحويلنا إلى ورقة هامشية في بازار المساومات الإقليمية، وبدون قسد، ستفرض أنقرة شروطها عبر حكومة الجولاني على مصير شعبنا، تمامًا كما فرض البعث وصايته لعقود، وربما بأساليب أكثر وحشية وخبثًا.

من هنا، فإن دعم قوات قسد والإدارة الذاتية، وتعزيز الهيئة الكوردية المنبثقة من مؤتمر قامشلو، ليس خيارًا سياسيًا، بل واجبًا وطنيًا، هدفنا الواضح هو تثبيت مبدأ اللامركزية السياسية في إطار نظام فيدرالي يضمن حقوق شعبنا ويحفظ وحدة سوريا بتنوعها، لأن البديل سيكون العودة إلى ظلمات البعث أو السقوط في هاوية أشد ظلامًا.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

14/8/2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…