دلدار بدرخان
بعض المحللين السياسيين ممّن اعتادوا اختزال المأساة في نشرة إخبارية أو انتصارٍ وهمي من خلف الميكروفونات، يصورون الحرب على “قسد” وكأنها نزهة عابرة، لا تستغرق سوى أيام معدودات، ويستشهدون بسيناريو عفرين ورأس العين وتل أبيض، معتبرين ما جرى هناك نموذجاً حياً، ويُختزل في معادلة بسيطة وهي (قوة الفصائل مع فزعة العشائر وبدعم تركي × ضعف PYD وانشقاق العرب ضمن صفوفه مع تراجع التحالف)، ويعتقدون أن بإمكانهم تكرار التجربة على أي بقعة أخرى من الجغرافيا السورية.
لكنهم ينسون أو يتناسون أن هذه الحرب لن تكون مشهداً درامياً على شاشة التلفاز ، وإنما ستكون نار إذا اشتعلت لا تفرق بين من أشعلها ومن احترق بها،
وبغض النظر عن مواقفنا السياسية تجاه PYD والسلطة الانتقالية ، إلا أن الحديث عن اجتياح لمنطقة مفتوحة “كشمال وشرق سوريا” التي تحكمها قوة عسكرية مدربة ومنظمة وتمتلك من العتاد والسلاح ما لا تملكه اي قوة عسكرية أخرى على الارض السورية، وتستند إلى خرائط الأرض، وتحاذي حدود ثلاث دول، ما هي إلا استهانة بدماء البشر، واستخفافاً بذاكرة التاريخ.
ولا سيما حين يتحول كل مقاتل في تلك الرقعة من الأرض إلى مشروع شهادة، ويتحول كل بيت إلى متراس مقاومة، فهذه الحرب إن حصلت لن تكون على قسد وحدها، وإنما ستكون معركة وجود وبقاء لشعوب هذه المنطقة، وستمتد نيرانها إلى العمق الكُردي في تركيا وإيران، والعراق، وتتحول الجغرافيا إلى بركان يصعب إخماده.
ولن تكون وحدها دماء تلك الأرض من تُراق، بل ستتحرك معها مكونات سورية أخرى من الدروز إلى العلويين والى المسيحيين، وحتى شريحة واسعة من العرب السنة الذين وجدوا أنفسهم مهمشين وخارج معادلة الوطن.
وحينها لن تبقى سوريا وطناً ممزقاً فقط ، وإنما ستتحول إلى كتلة من الجحيم ، لا يطفئها نصر مؤقت ، ولا يُسكتها خطاب تعبوي.
ولهذا لا أرى في هذه الحرب حلاً ولا مخرجاً ، وإنما أراها كارثة وطنية ستأكل الأخضر واليابس، وانتحاراً جماعياً لن يُبقي من سوريا إلا رماداً متناحراً ، وإنني بكل وضوح أستبعد اندلاع هذه الحرب، وأرفضها كخيار أخلاقي وسياسي وشعبي ،فلا مناص إلا بالتفاهم والحوار، وصياغة عقد اجتماعي جديد يُولد من الإرادة الجماعية، ويجب أن تبنى سوريا القادمة بالشراكة وبالاعتراف و العدالة، فزمن ما قبل الأسد قد انتهى، وزمن ما بعده لا بد أن يكون مختلفاً، أو لن يكون على الإطلاق.