للداخل والخارج التأثير الكبير في تطور سوريا الديمقراطي .

شكري بكر
منذ قيام الدولة السورية التي بدأت بالإنسحاب الفرنسي منها عام 1946 هناك من تصدروا سدة السلطة ليس لأنهم كانوا يمتلكون حاضنة حزبية أو جماهيرية بل من لا شيء ، من جهة أخرى كان هناك من يمتلك حاضنة حزبية وشعبية لم يتصدروا السلطة ، مثلا الحزب الشيوعي السوري في بداية الخمسينيات القرن الماضي كان بإستطاعته السيطرة على مقاليد السلطة إلى أنه لم يفعل ربما لغاية في نفس يعقوب .
أما كورديا فإن غياب المشروع الكوردي بجانبيه الوطني والقومي كان السبب المباشر في بقاء الكورد خارج معادلة الشراكة في السلطة للمضي بالدولة السورية بالإنتقال الديمقراطي التعددي .
ولا زال الشعب الكوردي وعبر حركتها السياسية نفتقد إلى المشروع الكوردي لحل القضية الكوردية في سوريا بما تضمنته العهود والمواثيق الدولية في حق الأمم في تقرير مصيرها .
علما أن هذه المرحلة تميزت بوصول شخصيات كوردية حكموا سوريا حتى أواخر خمسينيات القرن الماضي .
ما هو السبب المباشر في غياب المشروع الكوردي لحل القضية الكوردية في سوريا حلا ديمقراطيا عادلا ، هل العطل من الغسالة أم من المسحوق ؟.
أعتقد أن الجوهر في هذه المسألة هو الإنقسام الكوردي حول ماهية القضية الكوردية في سوريا بين مفهومي الشعب وأقلية .
في ظل هذا الإنقسام الداخلي في البيت الكوردي من شبه المستحيل على الشعب الكوردي ممارسة في تقرير بما أقره العهود والمواثيق الدولية بحق الأمم في تقرير مصيرها .
أليس الشعب الكوردي في سوريا شعب أصيل ولم يحققوا شروط الأمة ، علما أن الأمة الكوردية هي أقدم الأمم الموجودة في المنطقة بأكملها .
أعود مرة أخرى إلى الحديث عن القوى التي كان لهم حاضنة حزبية وشعبية ولم يتصدروا سدة السلطة في دمشق .
لا نكران في التدخل الخارجي التي شكلت موانع أمام بعض القوى لتتصدر السلطة .
لأنه بالأساس الإنسحاب الفرنسي جاء بعد تسلم السلطة لحكومة إنتداب في دمشق عمادها شخصيات سورية ذوي نفوذ آغاتية وعشائرية لقربها من سلطة الإنتداب وتمكينهم من فرض نظام
أمني لترسيخ نفوذهم في إحتكار السلطة ومحاربة القوى الوطنية لعدم تمكينها من الوصول إلى السلطة .
بالمقابل فإن إنقسام القوى الفاعلة في الساحة السورية وتفضيلها المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية ، وفشل تلك القوى من إنجاز المشروع الوطني الديمقراطي الذي كان من الممكن أن يؤدي بالبلاد إلى التخلص من حكومة الإنتداب وأدواتها محتكري السلطة لمصالح شخصية وأنانية والتي كانت تابعة لقوى خارجية ، بالإضافة إلى إختلاف هذه القوى على هوية الدولة ، هذه الأسباب مهدت الطريق أمام التيار القومي العروبي ليتصدر سدة الحكم الذي توج بإنقلاب حزب البعث العربي الإشتراكي في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي بقيادة المقبور حافظ الأسد وإستلام السلطة عام 1970 وفرض سيطرته على كافة مفاصل الدولة السورية والتي إمتدت زهاء ستون عاما .
نظام البعث هذا إعتمد سياسة فرق تسد بالمجتمع السوري وبكافة مكوناته ، حيث جعل الفساد يعشعش في أركان الدولة والمجتمع ، من خلال إبعاد الكوادر الوطنية المخلصة ، وكذلك إبعاد النخب الوطنية المثقفة والواعية من أصحاب الشهادات الجامعية والمهارات بمختلف الإختصاصات ، ليتسنى له العمل على تخريب البلد حتى لا تتمكن من النهوض والعودة مجددا ببناء دولة الوطن والمواطن إلا أن قامت الثورة السورية المغدورة في الحادي عشر من آذار عام 2011 والتي طال إنتظارها والغدر بها .
فقبل قيام الإحتجاجات التي إنطلقت شرارتها من مدينة درعا الواقعة في جنوب سوريا ، وأعتقد أن النظام هو من إفتعلها ، حيث كان له يد طولى في وقوعها ، بها قد سد الطريق أمام ثورة حقيقية ممكن أن تُقام في أي لحظة .
وكان النظام قد وضع أسس الفشل لقيام أي عمل ثوري مناهض لسياساته الشوفينية والعبث بمكونات المجتمع السوري في حال قيامهم بأي عمل ضد سياساته ، إنتفاضة القامشلي شاهد على العيان وكيف قام بإجهاضها .
فالنظام قد قام بمراجعة كافة حساباته في قيام أية حالة من الحالات الثورية قد كتب له الفشل عبر عملية حسابية قد درسها النظام منذ تسلمه السلطة ووضع أسس الفشل مسبقا لأي طارئ مهما كان نوعها وزمانها ومكاناها وأدواتها .
فقبل قيام الثورة السورية المغدورة ، قام النظام بإعتقالات واسعة شملت مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري ومن جميع مكوناته ، وجعل الغالبية منهم وقودا لإخماد الثورة وطنياً قومياً والغدر بها .
والملفت للنظر أنه حتى سقوط النظام لا زال ثقافته هو السائد في الوسط السياسي السوري ، والدليل أنه لا زال المشروع الوطني الديمقراطي الشامل غائبا ويحارب من قبل القوى السياسيةوالفصائل العسكرية المتعددة والمختلفة الدينية منها وأشباه الوطنية والقومية الذين جعلوا من سوريا مقسمة ميدانيا ، حيث كل فصيل فرض سيطرته على بقعة جغرافية محددة بإدارات ومسميات مختلفة وتحويل البلد إلى كانتونات هنا وهناك تابعة لسياسات الأمر ، لا يتبعون إرادة مجتمعاتها وإنما تتبع بعضها لمصالح الدينية وأخرى طائفية ، وأخرى حزبوية .
هذا هو آخر المستجدات على الساحة السورية ، والسؤال الذي يشغل بال كل الغيورين على المصلحة السورية دولةً وشعوباً ويطرح نفسه بقوة :
ما هو الحل أو ما العمل ؟.
الحل يكمن في الحوار الشامل عبر الدعوة لعقد مؤتمر وطني شامل تحضره ممثلي كافة القوى السياسية والوطنية من مكونات المجتمع السوري لإنجاز ما يلي :
1 – المشروع الوطني الديمقراطي الشامل تحت شعار مصلحة الوطن أولاً ، ومصلحة مكونات المجتمع عبر ممارسة كل مكون لحقه في تقرير المصير ضمن إطار وحدة البلاد .
2 – كتابة دستور عصري بتثبيت حقوق كل مكون من مكونات المجتمع السوري ، القومي والديني والمذهبي والطائفي .
3 – إجراء إنتخابات عامة في البلاد والسير بالمجتمع السوري نحو بناء دولة ديمقراطية تعددية برلمانية حرة .
أخيراً قيل أن الأزمة السورية حلها سيكون سياسيا وليس عسكريا ، الواقع السوري أثبت أن الخيار العسكري سيمهد الطريق إلى الحل السياسي ، لأن الخيار العسكري هو الذي يفرض الحلول ، ويمهد الطريق لدخول البلد مرحلة إنتقالية لفترة محددة ، تتشكل فيها حكومة مؤقتة ، وكتابة دستور ، ثم إجراء إنتخابات عامة ،
أي أنه ما يطبق في الواقع قرارات مؤتمر جنيف 1 بسلاله الثلاث .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…